من الأجدر على الساحة السياسية اليوم في العراق؟

سباهي الكرخي

خلال الايام القليلة الماضية ركَّزت اغلب الرسائل والمنشورات التي وردتني شخصيا، وحتما انها وردتكم ايضا، وتناقلتها بعض وسائل الاعلام، ركّزت على خبر مفاده وصول وفد من حزب البعث العربي الاشتراكي الى العاصمة الأميركية واشنطن "لاستكمال" المباحثات مع مستشار الرئيس دونالد ترمب "غارد كوشنر" لبحث مستقبل العراق السياسي .. وقد نشر في عدة مواقع خبرية، وكانت شرارته الاولى او ما استند اليه الموضوع هو ما تحدث به الكاتب العراقي هارون محمد من خلال معلوماته الشخصية عن طريق مقربين له.. ولم اجد اي موقع تابع للحزب قد تطرق له كما لم أجد أي تصريح بخصوصه.. لابالنفي ولا بالتأكيد.

 

واليوم ايضا وردني منشور اخر تم تداوله، نقلا عن موقع يصدر من لندن تسمى "قريش ".. يتضمن  تصريحا للناطق الرسمي المخول عن الحزب يكشف فيه وجود مفاوضات مع أميركا.. ولكنه يشير الى انها مع عناصر تغيب عن عيونهم الرؤية ولا يمتلكون القرار... وعند البحث والتقصي تبين انه صادر في شباط عام 2016 وهناك نفي وتكذيب صادر من الحزب بشأنه.. 

كمحلل سياسي.. افهم ان صمت حزب البعث وسكوته وعدم الادلاء بأي تصريح عنه، يشير الى رأيين: الاول، ان الخبر صحيح يؤكد وجود وفد للبعث يتفاوض مع أميركا لتسوية سياسية عادلة في العراق.. ولكنها سرية ولا يريدون التطرق اليها لكي لا تؤثر على سير المفاوضات.. ووجدت في اكثر من مناسبة وموقف للبعث انه على استعداد للتفاوض مع اي جهة كانت بشأن مستقبل العراق مستثنيا الكيان الصهيوني من ذلك..

والرأي الثاني، عدم صحة الخبر، والتزم البعث السكوت، لحسابات خاصة لديه منها معرفة ردود الافعال السياسية والشعبية والاعلامية عن الموضوع.. وربما ترفعا منه لعدم قناعته بالفكرة والموضوع اصلا.. وربما انه سبق وان اعطى رأيه بالمعنى كتحديد للهدف والطريقة والاسلوب  كشرط للدخول في المفاوضات..

بعيدا عن صدقية الخبر فإن تداوله الكبير وانتشاره الواسع في وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي .. يعني للمتتبع للشان العراقي، ان حزب البعث كقوة سياسية وفكرية كبيرة ومؤثرة مازال موجودا على الساحة السياسية في داخل العراق وخارجه.. وخلال بحثي في كثير من المواقع والوكالات ومراكز البحوث والدراسات العراقية والعربية والدولية.. والتي ركزت على من هو الاجدر والاقوى بتسيد الساحة السياسية العراقية، وجدت ان جميع الاراء قد انصبت على موقفين متفق عليهما وفق المعطيات السياسية على الساحة في العراق.. اولهما ان النظام السياسي الحالي في العراق بني على عملية سياسية فاشلة قصيرة النظر لا يوجد فيها اي عمق او رؤية شاملة للمجتمع العراقي ولا تعطي اية نتائج مستقبلية ايجابية، وكان نتيجتها ماحصل في العراق من فتن ودمار وخراب، وتدخلات خارجية قوية ومؤثرة، وضخ اموال مخابراتية زعزعت امن واستقرار العراق وفتت نسيجه بالكامل وزرعت الالغام والاسلاك الشائكة المعقدة التي يصعب حلها داخليا الا بتدخل خارجي، والذي هو نفسه اساس المشكلة، فجعلوا الدائرة تدور حول نفسها لتعود لنقطة انطلاقها الاولى وهكذا.

الموقف الثاني وجدت ان هناك محاولات خارجية من دول كان لها الدور الكبير في احتلال العراق وتدميره.. لتصحيح العملية السياسية العراقية على رأسهم أميركا لشعورهم بخطئهم الكبير وبقراراتهم البائسة في حل الجيش العراقي والاجهزة الامنية.. وتسليم العراق شيئا فشيئا الى ايران واستئثار الحرس الثوري الايراني بجميع مفاصل الدولة، مما اضعف القرار العراقي وتسلم زمام الامور المتطرفين والطائفيين والمجرمين والخونة والعملاء وعاثوا بالارض الفساد..

فمنهم من يرى اصلاح العملية السياسية من داخلها وسحب البساط من تحت ايران والسماح للقوى الوطنية بالعمل ودعمها بشتى الطرق لتأخذ طريقها الواسع لاصلاح الامور ودعم الحكومة العراقية والانفتاح عليها سياسيا واقتصاديا.. وهو ما انتهجته السعودية والامارات بمباركة أميركية كخط ضمن عدة خطوط.. وقدمت هذه الدول مشاريع مدعومة من قبلها بالكامل.. ولكنها ايضا ليست ذات عمق في المجتمع العراقي وغير مقبولة منه.

ومنهم من يرى ان العملية السياسية ومانتجته من نظام سياسي لا يمكن اصلاحه لأنه بني على مرتكزات عوجاء، وفي غير محلها، عليه فان اصلاحها لا يتم الا بقلع النظام من جذوره واستبداله بنظام مدني  اخر مقبول داخليا وخارجيا.

من هنا ياتي السؤال الكبير: من هو الاجدر والاحق بقيادة الساحة الساحة السياسية في العراق اليوم.. وفق كل هذه التطورات والتغيرات الكبيرة التي طرات على المجتمع العراقي سياسيا واقتصاديا واجتماعيا؟

ان اخذنا الامر من وجهة النظر الأميركية صاحبة اليد الطولى في العراق .. وهي التي تقرأ الصغير والكبيرة في المجتمع العراقي.. فانها قد وصلت حد القناعة الكاملة بأن هذا النظام فاشل ولم يعد يجدي نفعا وقد تمكنت ايران من اختراقه واستيعابه بجميع مفاصله عرضا وطولا.. ولم يعد بالامكان ترميمه او اصلاحه.. لذا فانه سيبقى يشكل خطرا على الامن القومي الأميركي في المنطقة الامر الذي لاتقبله الادارات الأميركية.

ولكن ماهو الحل؟

وفق رأيها فان الساحة العراقية قد انتجت احزابا وتجمعات قاربت الــ( 400 ) وحتى لو اردت جمعها كلها او نصفها او ثلثها فلن تتمكن لانها احزاب هزيلة خاوية لا يوجد لديها اي عمق في الشارع السياسي العراقي مستغلة الاوضاع والفوضى ومتشدقة بشعارات فارغة لا تستطيع ان تفعل شيئا بشانها سوى ذكرها بالهتافات فقط.

فعين الادارة الأميركية الحالية ومعها الكثير من الدول المؤثرة والمتضررة من فساد النظام الحالي منصب على الاحزاب المعارضة للعملية السياسة الحالية، والتي قاومت الأميركان وعارضت الاحتلال وكل من اشترك معه، ولم تشترك، بل كفَّرت، كل من شارك بهذه العملية السياسية التي بنيت على باطل وتعاملت معها وفق مبدا ان كل مابني على باطل فهو باطل  ..

ولكن هذا الامر فيه تعقيدات كثيرة للجانبين تتطلب مفاوضات طويلة ومفاوضين جيدين متمتعين بكفاءات قانونية وسياسية.. فالجانب الأميركي من جهته لا يريد ان يخسر امتيازاته السياسية التي حصل عليها في المنطقة ولجهة ربما ستخرجه منها بطريقة مذلة وربما ستجعله يدفع تعويضات مالية هائلة نتيجة احتلاله العراق بناء على معلومات كاذبة وحجج غير صحيحة.. وبالمقابل المفاوض يريد ان يتم الانهاء الكامل للنظام الحالي بأكمله ووفق شروط الاستقلال التام والسيادة الكاملة والدعم الكامل لحين استقرار الوضع .. وتبقى الضمانات الاخلاقية والتعهدات والثقة المتبادلة هي من سيحسم هذا الامر ..

نعود هنا ووفق ماذكرنا عن الاجدر المؤهل للتفاوض واستلام السلطة في العراق..

يوجد على الساحة السياسية المعارضة اتجاهان.. الاول علماني وسطي مقبول في جميع اوساط المجتمع العراقي وهو حزب البعث.. والثاني الحركات والفصائل الاسلامية وبعض هذه الحركات فقدت اهليتها بقيادة العراق لاسباب جوهرية منها انها قوى سنية خالصة لا يمكن قبولها في الاوساط الشيعية ولان بعضها اشترك في فترة الاقتتال الطائفي السابقة.

يبقى ومازال في الساحة العراقية حزب البعث لديه من المميزات والامكانيات والقدرات لاستلام السلطة مالم تجدها عند غيره لانه ما يزال موجودا بقوة على الساحة السياسية في العراق.. فهو موجود فكريا وسياسيا وله امتدادات لم تنقطع رغم الاجتثاث والقتل والملاحقة والتهجير.. وهو في حقيقة الواقع في تصاعد وتوسع في كافة المحافظات.. وبالاخص الجنوبية منها.. اضافة الى دوره الرائد في المقاومة الوطنية التي اجبرت الأميركان على الانسحاب.. وهو الان ووفق كل المؤشرات يتبنى ويقود مشروعا وطنيا للحل الشامل والنهائي لقضية العراق.

وقد فهمت أميركا جيدا هذه الميزة، وليس غريبا او ليس من المنطق ان تهمل هذا الحزب او تتجاوزه.. ومؤكد انها وضعته في حساباتها وهي تعلم جيدا انه ليس من السهل تطويعه او تليينه.. رغم انه قد اعلن في اكثر من مناسبة استعداده لتصحيح الاخطاء والاوضاع والمصارحة والمصالحة.

وحزب البعث اليوم لديه مسؤوليات كبيرة.. في ان يكون الحاضنة الكبيرة الموثوقة للشعب العراقي وان يكون حاسما وغير متسامح لظواهر الطائفية التي هي السرطان الرئيسي الكبير في قتل كل امل في اصلاح العراق.. والتعامل بحكمة مع بعض الترهلات الحاصلة في جسده ومحاولة توحيد الجهود.. والموضوع الاخر هم العناصر الحزبية من المتسيبين والمغردين خارج السرب او مايطلق عليهم البعثيون غير المنضبطين وهؤلاء اتجهوا الى اتجاهات اخرى والسبب هو تركهم واهمالهم وعدم اعادة الارتباط بهم مما رماهم في الاهداف القريبة منهم..

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :133,489,473

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"