هذا ما أرادت أن تتوصل إليه مجموعة مدلّسين تجاوز عددهم 63 من جنسيات مختلفة، رأسهم وأدار مشروع إعداد تقريرهم بهذا الشأن السفير الأميركي الأسبق في بغداد، ريان كروكر، وتبنى نشره المجلس الاطلنطي (Atlantic Council) .
يشير كروكر في المقدمة التي كتبها مفتتحا التقرير، بأن الهدف الأساس من هذه الرؤية، رسم استراتيجية عمل في العراق لضمان مصالح الامن القومي الأميركي على المدى الطويل، وتأمين حماية صارمة لمصالح أميركا الأمنية على أفضل وجه وبما يحقق الأهداف الأميركية في العراق.
أهم ما ركز عليه التقرير(بناء حكومة عراقية تميل بقوة الى التعاون الوثيق مع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط).
و(تأمين الاحتفاظ على قوات أمريكية في العراق للاضطلاع بمهمة طويلة الأمد)
و(إعادة تفعيل الاتفاق الإطاري الاستراتيجي الأميركي- العراقي الموقع في 2008 بحيث يكون وسيلة فعالة للتعاون في كافة المجالات)
و(يجب أن تستخدم الولايات المتحدة اتفاقية صندوق النقد الدولي كألية ضغط من أجل تحقيق الإصلاح في الاقتصاد العراقي وميزانيته).
و(خلق بيئة ملائمة للاستثمار من أجل ألا يتم استبعاد الشركات الأميركية عند التنافس مع المستثمرين الاخرين في السوق العراقي)
اما الأخطر من كل ما تقدم فهو كما يوصي التقرير (يجب تصميم برنامج لمقايضة الديون العراقية بالملكية من أجل تشجيع الاستثمارات الأجنبية).
ثم وبإخلال وتعتيم واضح يجتزئ التقرير بعض صور الحالة المأساوية التي أوصلوا إليها العراق نتيجة للغزو والاحتلال، وهي مؤشرات ونتائج تشكل غيض من فيض حيث يشير الى (أن واحداً من خمسة عراقيين يعيشون تحت خط الفقر، رغم الثروة النفطية الهائلة التي شهدت معدلات نمو سريعة على مدى العقد الماضي، حيث تتركز الثروة في أيدي نخبة سياسية فاسدة).
ويضيف (أن النخب السياسية الفاسدة تعمد الى الإيداع الامن لعائدات الفساد في العواصم الغربية).
التقرير يحاول التعتيم على جريمة الإبادة الجماعية التي تطحن شعب العراق منذ 2003 ولحد الان بالقول إن (مئات الالاف من العراقيين توفوا)!
هكذا (توفى مئات الالاف) أما كيف، فلا يفصح التقرير، متجاهلاً الإبادة المنظمة التي شاركت في رسمها وتنفيذها، مع الشريك الإيراني، القوات الأميركية والميليشيات الطائفية المسلحة ومشروع التدمير الاجرامي الدولي الذي أوجدوه ومكّنوه بواسطة عملائهم في العراق تحت مسمى "داعش".
يمضي التقرير بتدليس واضح ويقرر أن ما أصاب العراق من تدمير طال الإنسان وما بناه على مدى عقود من الزمن إنما هو بسبب تخريب "داعش"، وبهذا فهو يشطب جرائم أميركا وحلفائها في العراق من حكومات متعاقبة وقطعانها من حشدها الطائفي منذ أن وطأت الاقدام السوداء أرض العراق.
القراءة الكاملة لنص التقرير تفصح عن نية واضحة للتبرؤ من الجريمة، ثم تضع بدائل لمعالجة أوضاع العراق المزرية بعد أن ترهن مقدّراته بصندوق النقد الدولي والبنك الدولي والوصاية والتملك وكأن العراق بلد فقير أو هو إحدى جمهوريات الموز!
أقل ما يمكن وصف هذه التوصيات أنها استعمار طويل وثقيل للأرض وخطط لنهب الموارد بقبضة عسكرية وأمنية، تضع كل إمكانات العراق بما يخدم المشروع الأميركي الصهيوني لمنطقة المشرق العربي. وتحويل قدرة العمل العراقية الى "عمال تراحيل"!
الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين من عرب وعجم يتحملون المسؤولية الكاملة عن جريمة تدمير العراق، وهم شركاء فيها، بما لا يمكن طمس جريمتهم التي فاقت في بشاعتها كل جرائم العصر.
إن أي معالجة جادة لوضع العراق الحالي لا يجوز لها أن تشطب حقوق هذا الشعب، تلك الحقوق التي اغتصبتها أميركا وحلفائها من عرب وعجم، وأن دماء ملايين الشهداء لا يجب تجاهلها وكذلك دمار ما أنجزه أبناء هذا الشعب على مدى عقود من الزمن، لأنها ترتب استحقاقاً ملزماً تتحمله دول العدوان وكل من شارك وموَّل وسهَّل للجريمة، ومن ثم لا يحق لأي قوى وطنية أن تتجاهل هذا الاستحقاق وهي بصدد صياغة استراتيجية العمل.
أميركا وحلفاءها يجب ألا يُسمح لهم بالتملص من الجريمة وما ترتب عليها من آثار مريرة مدمرة.