عرس (عراقي) في جنازة الموصل!

فاروق يوسف

ما لا يمكن تخيله على المستوى الإنساني حدث في العراق. سابقة خطيرة تضع الحس الإنساني على مفترق طريق صعب.

 

فيما كانت واحدة من أعظم مدن العراق التاريخية قد تحولت إلى أنقاض لا تزال الاف الجثث مطمورة تحت ركامها احتفل العراقيون بالنصر العظيم على داعش.

بدلا من أن يبكي العراقيون قتلاهم صاروا يرقصون!

هل أصابهم مسٌّ من الجنون الجماعي أم أن إنسانيتهم وصلت إلى الحضيض؟

لا بأس. سنصدق أنكم انتصرتم على داعش. ولكن ما الثمن؟ ما ثمن ذلك الانتصار الذي أتى بعد هزيمة فضحت رثاثة القيم العسكرية التي سمحت بالتخلي عن واحدة من أعز مدن العراق من غير قتال؟!

لا أحد في إمكانه أن يعقل أن مَن تخلى عن المدينة بيسر مهين قد كلَّف نفسه عناء استعادتها. هذه اللعبة لن تنطلي على أحد.

إزالة الموصل كانت هدفاً استراتيجياً استعملت من أجله مختلف الخطط بدءاً من اذلالها وانتهاءً بمحوها، حياً بعد حي، مرورا بالتخلي عنها وتسليمها إلى تنظيم داعش الذي وُهب وقتاً طويلاً من أجل تطويع سكانها وقتل من خالفه.

هل كان من الصعب على الولايات المتحدة أن تستدرك الخيانة التي ارتكبها نوري المالكي بسحب القوات العراقية وتأمر بشن هجوم بري مدعوم بسلاحها الجوي لتحرير المدينة بعد احتلالها مباشرة؟

إذا كان تسليم المدينة لقطاع الطرق من القادمين بسيارات مدنية وبأسلحة خفيفة ينطوي على شبهة فإن الصمت الذي استمر لأكثر من عامين بحيث سُمح لداعش أن تعلن عن ولادة الخلافة الإسلامية ينطوي على شبهات عديدة تضع جهات محلية وإقليمية وعالمية بين قوسي الاستفهام.

بعيدا عن كل تلك الالغاز فإن ما حدث للموصل كان واضحاً. مدينة أُهينت قيمتها التاريخية من خلال تحطيم آثارها ونُسفت إمكانية استمرارها في الوجود من خلال تهديم مدارسها ومستشفياتها وجامعاتها ودور العبادة فيها وأسواقها وبيوتها ونُقل مَن لم يُقتل من سكانها إلى سجلات منظمات الإغاثة الدولية التي صارت تستغيث.

ألهذا النصر يرقص العراقيون؟!

كان حرياً بهم ان يصمتوا إجلالاً لأرواح الموتى من جلدتهم على الأقل. لقد كان للموصل دائماً يد بيضاء على العراق. فالمدينة التي وهبت العسكرية العراقية فلذات أكبادها ليكونوا قادة لجيش كان في وقت ما مثالياً في نزاهته وعفته وشرفه وإقدامه لم تتخل عن وطنيتها في أقسى الظروف.

الموصل التي احتفى (العراقيون) بذبحها ليست كأية مدينة أخرى.

من المؤكد أن السياسيين العراقيين الموالين لإيران لن يجدوا مشكلة في ملايين النازحين الذين ستحيلهم وزارة الهجرة إلى المنظمات الدولية من أجل اغاثتهم وتوفير أسباب الحياة الدنيا لهم ولكن السؤال الذي يظل مُلحّاً "ماذا عن موقف الشعب العراقي الغارق بثرواته وهو يرى جزءا منه مشردا؟"

أكان علينا أن نُسعد بذلك البؤس؟

أعتقد أن من رقص من أجل الانتصار على الموصل لم يفكر في أن قدميه كانت تحفران قبراً له. فالعراق لا يمكن اختزاله بخيانة المالكي مثلما لا يمكن اختزال الموصل بداعش.

الموصل أكبر من داعش مثلما العراق الذي هو أكبر من المالكي.

غير أن ما لا يجب التغاضي عنه أن هناك شعباً نجحت وسائل الإعلام في تجهيله وتضليله لتصل به إلى مستوى وضيع من التفكير لا يتمكن من خلاله من التفريق بين النصر والهزيمة.

ذلك لأن ما حدث للموصل هو هزيمة للعراقيين.

لقد اختفى تاريخهم. لا نمرود ولا آشور ولا حتى نينوى.

الموصل التي أزيلت هي جزءٌ حيٌ من جسد العراق وهو حدث كارثي لا يمكن لنظرة طائفية أن تدرك حجم ما ينطوي عليه من خطر على الكيان السياسي للعراق.

عرس العراقيين في جنازة الموصل هو التعبير الأمثل عن جهلهم بما يُخطط لهم. وهذه في حد ذاتها مأساة كبرى.

 

نشر المقال هنا

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :133,411,007

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"