واقع العدالة في العراق.. فساد وانحلال

أيمن العاني

تشوب منظومة العدالة في العراق عيوب كبرى شخصتها المنظمات الأممية والدولية وأقرّت بخطورتها، واعترفت بها جميع الكتل المشاركة في العملية السياسية الحالية، وعلى الرغم من كل الدعوات والنداءات المحلية والدولية لإصلاح النظام القضائي في البلاد.

 

إلا أن هذا الواقع لم يتغير، ولن يتغير مع بقاء المسببات والمعطيات، فالانتهاكات حاصلة والجرائم مستمرة، والجناة الحقيقيون في مأمن من المحاسبة والعقاب، والاعتقالات التعسفية بحق المواطنين متواصلة، والمحاكمات غير العادلة التي لا تعدو كونها جلسات صورية يجري انعقادها وسط غياب شبه كامل للشروط والضمانات القانونية الواجب توفرها، ناهيك عن استرشاد القضاة باعترافات منتزعة من المعتقلين، بالإكراه وإنكارهم لها لا يغير شيء في إصدار أحكام تبدو أنها مقررة سلفا تصل في أغلب الأحيان إلى عقوبة الإعدام، وتنفيذ تلك الأحكام بزيادة مطردة في العراق، الذي اُدرج العام الماضي ضمن أكثر خمس دول تنفيذاً للإعدام في العالم، لذا أصبح لزاماً على المجتمع الدولي التحرك الجاد والسريع لإيقاف تنفيذ المزيد من هذه الأحكام الجائرة التي تهدف إلى الاستئصال الطائفي بذريعة مكافحة "الإرهاب"، وعدم الاكتفاء بإبداء القلق ونشر بيانات الاستنكار وإطلاق الدعوات التي لا تسمن ولا تغني من جوع.

وتعد المحاصصة الطائفية من أبرز أسباب تردي القضـاء في العراق بعد 2003، ومنذئذ يتم توزيع المناصب القضائية العليا على هذا الأساس، مما جعل الأحكام القضائية أحكامًا خاضعة للصفقات السياسية وليس للمواد القانونية والدستورية، ولعل أخطر المستجدات التي أفضت إلى انهيار النظام القضائي في العراق هو قيام حكومات الاحتلال المتعاقبة بإنتاج جيل جديد من القضاة القاصرين من خلال إصدار تشريعات تسمح لكل من مارس عمل المحاماة أو وظيفة قانونية لثلاث سنوات بأن يصبح قاضيا شرط حصوله على تزكية من الأحزاب المتنفذة، وألا يتجاوز عمره 40 عاما، وهؤلاء عادة أفراد ليس لديهم خبرة ولا يفقهون القانون، وهذا يُسهّل على تلك الأحزاب التحكم بهم واستغلالهم، يُزاد على ذلك احتفاظ تلك الأحزاب بملفات تدين بعض القضاة المخضرمين، مما جعلهم خاضعين إلى رغباتها بشكل مطلق.

إن فقدان نظام القضاء في العراق استقلاليته وحياده جعله خصمًا لا حكمًا، وبات مجرد أداة بأيدي أحزاب السلطة لإصدار شهادات النزاهة والبراءة لكل فاسد ومجرم، وفي نفس الوقت أصبح سيفا مسلّطا على رقاب مناهضي الاحتلال ومنتقدي أداء الحكومات أو كاشفي فساد محازيبها، فضلًا عن الذين انتهى دورهم من الشركاء السياسيين، من خلال إلصاق التهم الجاهزة بهم وإصدار أحكام الإدانة الغيابية، لغرض إيهام العالم بانها تحتكم في خصوماتها الى القضاء وتحترم قراراته، وتخرجه بطريقة مشابهة لما تفعله كل الأنظمة الاستبدادية، لكن بشكل أكثر خسّة ووضاعة.

إن الإصلاح الجذري لمنظومة القضاء في العراق ضرورة قصوى، ولكن هذا لن يكون في ظل الأنظمة الاستبدادية الفاشلة التي لا تكترث لمطاليب جماهيرها والتي تتخوف من أي عملية إصلاح إذ تعدها نهاية لسطوتها وبداية لتغييرها، ناهيك عن أن إنجاز هذا النوع من الإصلاح يحتاج إلى حكومات وطنية تشعر بالمسؤولية تجاه الشعب، وتحرص على تحقيق مبدأ التكافؤ في الفرص المفضي إلى العدالة الاجتماعية، والعراق اليوم يحتاج إلى إصلاح جذري على كافة المستويات، وفي مقدمتها المستوى السياسي، فضلًا عن الاقتصادي والثقافي والإداري، ولعل مكافحة الفساد المالي والإداري وضبط الفاسدين ومحاكمتهم سيكون أولى خطوات إصلاح الكثير من القضايا بما فيها إصلاح النظام القضائي ليتماشى مع القضايا الحقوقية ومنها حقوق الإنسان لتحقيق العدالة قانونيًا، فالإصلاح بمفهومه الأعمق يجب أن يشمل التغيير الفعلي في الأنظمة السياسية لينسحب ذلك على الاجتماعية والاقتصادية والثقافية كي تواكب العمليات الإصلاحية في مناحٍ أخرى.

 

نشر المقال هنا

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :133,412,451

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"