هذا هو الرئيس الإيراني المرتقب!‏

جاسم الشمري

الأحداث المتسارعة في مضمار السباق الرئاسي الإيراني تظهر جلياً أن هنالك قوى ‏خفية ومؤثرة هي التي تدير أصول اللعبة السياسية في "الجمهورية الإسلامية" التي ما ‏زالت تُعد من أهم أسباب قلق دول الجوار العربي الإسلامي، لأنها– كما يبدو– لديها ‏أجندة تريد تحقيقها ولو على حساب مصالح الدول المجاورة.

قبل يومين من القمة الإسلامية العربية الأميركية (19 من شهر أيار/ مايو الحالي) ‏يذهب الإيرانيون إلى صناديق الاقتراع لانتخاب رئيس جديد من بين عدة مرشحين، ‏أبرزهم الرئيس الحالي حسن روحاني، ومنافسه الأبرز إبراهيم رئيسي، المدعوم من ‏المرشد الأعلى، علي خامنئي، وجناح المحافظين وأهل الأرياف.‏

ومع الاقتراب من منصة النهاية أعلن المرشح الإصلاحي إسحاق جهانغيري، نائب ‏الرئيس روحاني، يوم أمس الثلاثاء انسحابه من الانتخابات لصالح الأخير، في خطوة ‏متوقعة لحشد دعم الإصلاحيين والمعتدلين وراء مسعى روحاني للفوز بولاية ثانية، ‏وبالمقابل تم انسحاب جهانغيري ومحمد باقر قاليباف لصالح المرشح المحافظ والمنافس ‏الأبرز لروحاني (رئيسي).‏

المتابع لمجريات الانتخابات الرئاسية يسجل ملاحظة شبه عامة عن الانتخابات ‏الرئاسية الإيرانية وهي أن جميع الرؤساء الإيرانيين الذين تولوا الحكم منذ عام 1981 ‏فازوا بولايتين متواليتين، وآخرهم محمود احمدي نجاد الذي منعته مؤسسة الحكم من ‏الترشح لولاية ثالثة، وهذا يؤكد صورية الانتخابات وبقاء تأثير الدائرة الدينية ‏والعسكرية على مجريات تلك الانتخابات.‏

وعلى الرغم من "الخلاف الشكلي" بين المرشد الأعلى علي خامنئي وروحاني فإن ‏المتوقع أن يفوز روحاني بفترة رئاسية ثانية، وذلك بموجب جملة من المعطيات ‏سنحاول ذكر بعضها، وليس من باب الرجم بالغيب.‏

ونحن لن نتناول الخلافات الشكلية بين خامنئي وروحاني ومنها توجيه خامنئي ‏انتقادات عديدة لروحاني في مضمار الاقتصاد وعدم الاهتمام بمعاناة الفقراء، وتركيزه ‏على مكافأة الأثرياء والميسورين، بل سنعطي بعض الأدلة " المقنعة– ربما-"، ‏للوصول إلى "فرضية" بقاء روحاني رئيساً لولاية ثانية.‏

وقبل ذكر تلك المعطيات أظن هنالك من سيعترض ويقول: إن المرشد الأعلى خامنئي ‏هو صاحب الكلمة العليا في إيران، وقد وضع كل أوراقه في سلة المرشح المتشدد ‏‏(رئيسي)، ولا يمكن تصور "انكسار" كلمة خامنئي- وهذا الكلام صحيح تماماً.

‏وأقول لهم: إن ردي على هذه النقطة الدقيقة سيكون ضمن مجمل نقاط الترجيح ‏لروحاني للفوز برئاسة ثانية، التي سأذكرها، لأنني مقتنع بعدم وجود خلاف حقيقي ‏بين خامنئي وروحاني والأمر– باعتقادي- لا يعدو كونه لعبة سياسية يراد منها ‏إيصال عدة رسائل أبرزها:‏

‏- إن فوز روحاني يؤكد أن رأي "ولاية الفقيه" غير إلزامي على المرشحين بدليل عدم ‏خسارة روحاني غير المدعوم من خامنئي، وهذا يخفف من نظرة العالم لإيران ‏الدينية، أو التي تحكمها المؤسسة الدينية.‏

‏- لجنة الانتخابات الإيرانية التابعة للمرشد الأعلى علي خامنئي أوصلت رسالة لجميع ‏المرشحين أن الرئيس القادم سيكون من المعتدلين، وهذه رسالة للجميع لانتخاب ‏روحاني.‏

‏- إيصال رسالة للعالم بوجود نظام ديمقراطي حر في إيران، وهذا– ربما- يحسِّن ‏صورتها– على الأقل- لدى الدول المتعاطفة معها، بدليل فوز الرئيس الإصلاحي، ‏روحاني، وإن جعل روحاني في الواجهة باعتباره من الإصلاحيين وليس من ‏المتشددين يزيد من احتمالية التهدئة بين الولايات المتحدة وإيران في المرحلة المقبلة، ‏بدليل أن روحاني- ووفقاً لبعض وسائل الإعلام الإيرانية- يؤيد التفاوض مع حكومة ‏الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي ينتقد بشدة الاتفاق النووي. وأيضاً سبق ‏لروحاني أن تعهد في منتصف الشهر الحالي بتسوية "التناقضات" في الاتفاق النووي ‏مع المجتمع الدولي، إذا تم انتخابه لولاية ثانية.‏

‏- السياسة الإيرانية المستقبلية ستقوم على مسألة اللعب على أكثر من محور واستخدام ‏أسلوب الدبلوماسية أحياناً والتهديد بالقوة في أحيان أخرى. وإيران اليوم - يمكن بهذين ‏المفهومين الدبلوماسية والقوة- أن تلعب دوراً ايجابياً في العراق وسوريا واليمن ولبنان ‏وغيرها من الدول التي تمتلك فيها عصابات مسلحة وحكومات مؤيدة وخلايا نائمة.‏

الدبلوماسية الإيرانية المرتقبة بحاجة إلى رئيس غير متشدد، وهذا ينطبق على ‏روحاني، الذي نجح في المفاوضات مع الدول 5+1 بخصوص الملف النووي، ولهذا ‏فان الرئيس الإيراني القادم سيكون أكثر دبلوماسية وسيسعى بهدوء لامتصاص ‏الغضب الأميركي، هذا على افتراض أن هنالك عداء أصلا بين إيران وأميركا لأنني ‏أميل إلى نظرية الاتفاق غير المعلن بينما لاستمرار جلب دول المنطقة كما يريد ‏ترامب، والوقائع التاريخية تثبت أن أميركا لم تنفذ أي تهديد ضد إيران منذ نجاح ‏‏"الثورة الإسلامية" وحتى اللحظة.‏

ومقابل هذه الخطة الدبلوماسية رأينا رسائل إيرانية غير دبلوماسية، ومنها أن إيران ‏غيرت سفيرها في العراق وجاءت بشخصية عسكرية أمنية، وهو الجنرال ارج ‏مسجدي كبير مستشاري قاسم سليماني، وهذا ليس تغييراً بريئاً وإنما يريدون بذلك ‏إيصال رسالة لواشنطن– الساعية لترتيب المبعثرة في المشهد العراقي- أننا يمكننا أن ‏نغير أصول اللعبة في العراق عبر تحريك الملفات السياسية والأمنية من قبل أتباعنا ‏داخل العملية السياسية والحشد الشعبي تلك المؤسسة التي باتت اليوم القوى الأولى في ‏العراق ولا أحد يملك إحصائيات دقيقة لأعدادها، وربما ستجبر أميركا للدخول في ‏مساومات أو مفاوضات ما مع إيران لترتيب الوضع في العراق.‏

وكذلك ستحاول إيران– دبلوماسياً- عبر الملف السوري تغيير لعبتها هناك، وربما ‏ستضحي ببشار الأسد من أجل مصلحتها، وهذا سيؤدي بالنهاية لترطيب الأجواء بين ‏واشنطن وطهران. وهذا الكلام يمكن أن يكون أيضاً في اليمن وبقية بؤر التوتر ‏المدعوم إيرانياً.‏

‏- تظهر استطلاعات الرأي المتعددة التي أجرتها مؤسسات إيرانية، منذ بداية ‏أيار/مايو، تصدّر روحاني للسباق، فيما حلّ رئيسي وقاليباف في المرتبة الثانية ‏والثالثة بنسب مختلفة.‏

وفي ضوء ما تقدم أرى أن روحاني هو المرشح الأبرز لأنه قدم الكثير لإيران، ومن ‏أهم انجازاته الاتفاق النووي مع الدول الست العظمى، وسعيه لجذب 50 مليار دولار ‏من الاستثمارات الخارجية في السنة الأولى من توقيع الاتفاق، ورفع الحصار الدولي ‏بالكامل، مع بقاء الحصار الأميركي.‏

أعتقد أن مرحلة ما بعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية القادمة ستكشف حقيقة الوجه ‏الإيراني المغلف بشعارات محاربة الاستكبار والشيطان الأكبر والمبطن بالدفاع عن ‏المصلحة الإيرانية لتحقيق حلم الإمبراطورية الإيرانية وعاصمتها بغداد كما أعلنها ‏مستشار الرئيس الإيراني للشؤون الدينية والأقليات، علي يونسي، في آذار/ مارس ‏‏2015.‏

إيران محور الشر لكن يبدو أن محور الشر هذا يرمي شروره على دول المنطقة ‏ويرمي الورود والتنازلات للشيطان الأكبر!‏

إيران دولة لديها مشروع استعماري توسعي انتقامي طائفي واضح. فأين هي مشاريع ‏الدول العربية في مواجهة هذا المشروع التخريبي السرطاني؟!‏

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :133,411,681

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"