ضرغام الدباغ
مثَّل انتخاب الرئيس الأميركي دونالد ترمب مرحلة جديدة غير مسبوقة في تدهور العلاقات بين الحلفاء (ضفتي الأطلسي) منذ الحرب العالمية الثانية، مرحلة تلوح مقدماتها في توتر، وسوء تفاهم غير بسيط بين قد يقود في تفاعلاته اللاحقة إلى مراحل تتسم بتدهور متزايد للعلاقات.
وإذا علما أن أنتخاب الرئيس ليس أمراً عشوائياً خارج السيطرة، فالحزبان: الديمقراطي والجمهوري يتبادلان موقع الرئاسة منذ (عام 1853)، ويتميز نظام الانتخابات الأميركية بتقاليد وقواعد معقدة تحسب لكل أمر حسابه الدقيق، ولا تترك أي فرصة للصدف، أو مجالاً لنتيجة غير متوقعة أو مقبولة، وبهذا المعنى فالانتخابات وما يسفر عنها مدروسة موزونة، والرئيس، أي رئيس بصرف النظر عن اسمه وشكله، إنما هو يعبر عن ملائمته التامة للمرحلة ومتطلباتها. هذه هي جوهر الخلافات الأميركية الألمانية الأوربية :
1ــ هي القديم الجديد فيما يخص التجارة،
2ــ والاتكال على الولايات المتحدة وبخل الأوربيين في الناتو،
3ــ وملفات اللاجئين.
العلاقات الأميركية/ الألمانية
سياسة الرئيس ترمب مثيرة للجدل منذ بدايتها ، إذ تعتقد دوائر غربية أن الرئيس يريد ممارسة سياسات ستجد الولايات المتحدة بنتيجتها نفسها في عزلة أو أبتعاد عن حلفاءها، من خلال سياستها الخارجية أو سياستها الاقتصادية، وقد يتسبب دونالد ترمب في حرب تجارية دولية نتيجة سياسته في التجارة الخارجية ومؤشرات إلى الانغلاق عن الاقتصاد العالمي، وهو ما يتخوف منه العديد من الاقتصاديين.
ترمب يعتزم خفض حجم السلع المستوردة لتقوية الإنتاج داخل الولايات المتحدة. وفرض ضرائب على واردات من بلدان لنا معها عجز في التجارة الخارجية. وقد تبلغ قيمة الضريبة مستوى 20 % وستكون بمثابة الإجراءات الجمركية. ترمب يعتزم خفض حجم السلع المستوردة لتقوية الإنتاج داخل الولايات المتحدة. وقال المتحدث باسم البيت الأبيض:" نريد فرض ضرائب على واردات من بلدان لنا معها عجز في التجارة الخارجية". وهذه الضريبة التي ستصل قيمتها حسب تصريحات ترمب مستوى 20 % سيكون لها في نهاية المطاف مفعول إجراءات جمركية مؤثرة على المنتجات الأجنبية
وأفادت أرقام مكتب الإحصاءات الألماني أن الشركات الألمانية باعت في السنة الماضية منتجات بقيمة 107 مليار يورو للولايات المتحدة الأميركية. وهذا يشكل تقريبا ضعف ما تم استيراده من الولايات المتحدة الأميركية. (أي أن الميزان التجاري حالياً هو لصالح ألمانيا) ويبدو أن المؤشرات التحذيرية الحمائية من واشنطن هي موجهة إلى ألمانيا، وهي عقبات تجارية مضرة بالاقتصاد الألماني الذي بلغت فيه مردودية صادراته مستوى 40 % في العام الماضي. كما تشكل الولايات المتحدة الأميركية أقوى سوق لصادرات الشركات الألمانية بنسبة 10% من مجموع الصادرات الألمانية (9% فما فوق يعد شريكاً ممتازاً).
ويعبر خبير اقتصادي ألماني : أننا نأمل أن تظل تلك التهديدات العنيفة أسلوبا خطابيا وأن لا تليها أفعال في نهاية الأمر. وفي أسوء الأحوال فستصبح 1.6 مليون فرصة عمل في ألمانيا في وضع خطير. ولا يخفى على الرئيس الأميركي أن 600.000 مكان عمل تعود لشركات أميركية عاملة في ألمانيا، وبالتالي فإن كل تحرك موجه ضد ألمانيا سيعود بالضرر على الاقتصاد الأميركي نفسه.
وبهذا الصدد، فإن خطط ترمب تبدو كسكين ذي حدين. فمواقع الإنتاج للعديد من الشركات لم تعد تقتصر على بلد واحد(متعددة الجنسية). كما إن الاقتصاد الأميركي يعول على منتجات أولية من بلدان مختلفة. وفي حال فرض ضرائب على واردات تلك البلدان فستصبح كلفة عمليات الإنتاج والمنتوج النهائي مرتفعة. وبرأي خبير اقتصادي ألماني، " فإن من خلال هذا النهج في السياسات فإن ترمب على الإضرار بنفسه على الأمد الطويل، لأن ذلك يهدد فرص العمل في الولايات المتحدة الأميركية "، والنقد يوجه على أساس أن "المستهلكون وجميع الشركات الأميركية التي تعتمد على الواردات ستتضرر تحت وطأة التكاليف المرتفعة، وسيلحق بها الضرر في حال فرض حواجز تجارية بهذا الحجم. إنه الرأي السائد بين خبراء الاقتصاد".
والخشية هنا أن لا لا يبالي ترمب بأراء العلماء الاقتصاديين. فقد وجه فعلاً تهديدات إلى شركات صناعة السيارات الألمانية بشكل خاص، إذ يجب على بي إم دبليو مثلا أن تدفع مستقبلا ضريبة استيراد بقيمة 35 % على كل سيارة مصدرة إلى الولايات المتحدة الأميركية. وقد أقلقت هذه التصريحات والتهديدات بعض الشركات الألمانية، خاصة وأن الولايات المتحدة الأميركية هي ثاني أكبر سوق لصناعة السيارات الألمانية المصدرة، حسب أرقام اتحاد صناعة السيارات. فهي تشكل نسبة 15 % من مجموع عدد السيارات المصدرة من ألمانيا عبر الأطلسي (نسبة الاستيراد في بريطانيا أعلى بقليل). لكن الخبراء الاقتصاديين يعتبرون أن سوق السيارات الأميركية ستكون هي الأخرى خاسرة في حال تطبيق هذه السياسة الانعزالية، وستتجلى النتيجة الأولى في فقدان العديد من مواطن العمل في السوق الأميركية ويريد الرئيس ترمب بخططه هذه أن يقدم صناعة السيارات الأميركية.
وهي إجراءات ستعود بالضرر على التصدير الأوربي وألمانيا في المقدمة. فمالعمل ؟ والاتحاد الأوروبي ينتهج الأعضاء فيه سياسات تجارية مشتركة. وهل يجب المعاملة بالمثل؟ أم تقبل الإملاءات الأميركية؟ الحقيقة هي أن فرض حواجز جمركية على الولايات المتحدة الأميركية سيلحق الضرر باقتصاديات دول الاتحاد الأوروبي. إلى حد ألان لم ينفذ ترمب تهديداته المعلنة. وقد يتسبب دونالد ترمب في حرب تجارية دولية نتيجة سياسته في التجارة الخارجية
لقاء المستشارة مع الرئيس الأميركي
كان اللقاء الأول بينهما (17 آذار)، وفيه بدا أن تفاعل ترمب وميركل يفتقد إلى الدفء، بعكس اللقاءات مع أوباما. والآراء كانت متباينة في العديد من الملفات، أبرزها ملفات اللاجئين والتجارة. وشكر ترمب ميركل على التزام ألمانيا بزيادة مساهمتها في حلف الناتو.
كما دعا الرئيس الأميركي ترمب الحلفاء الأوروبيين للقيام بدورهم لدعم حلف شمال الأطلسي (الناتو) وقال إنه سيسعى إلى اتفاقات تجارية "عادلة"، وذلك خلال اجتماعه (17 /آذار) في واشنطن مع المستشارة الألمانية. واتخذت ميركل مواقف مختلفة تماماً عن ترمب في قضايا تتراوح من أزمة اللاجئين مروراً بالتجارة وحتى دور المنظمات الدولية. ولكن كلا الجانبين سعى إلى تجاوز الخلافات بينما يقومان بتهيئة الأجواء للعلاقات عبر الأطلسي كي تمضي قدماً.
ورداً على سؤال حول تفاعلها مع ترمب، الذي لم يكن له تاريخ سياسي مهني، قالت المستشارة إن الأشخاص يدخلون إلى عالم السياسة بطرق مختلفة، وهذا يحقق التنوع "وهو أمر جيد". واعترفت أنه في بعض الأحيان يكون من الصعب الوصول لتفاهم، لكنها اعتبرت ذلك أمراً طبيعياً. ولو لم يكن هذا موجوداً، كما قالت: فلن تكون هناك حاجة للسياسيين.
وبشأن التجارة، شدد ترمب أنه لا يهدف للأنعزال وإنما مجرد شخص يريد صفقات تجارية عادلة. واعتبر أن المفاوضين التجاريين لألمانيا "أدوا بشكل أفضل" من نظرائهم الأميركيين. وكان الناتو أيضا حاضراًعلى جدول أعمال زيارة ميركل التي قالت إنها وترمب ناقشا مساهمة ألمانيا في حلف شمال الأطلسي، ومشاركتها العسكرية في أفغانستان، التي أكدت المستشارة إن ألمانيا ستواصلها. لكن ترمب وصف الحلفاء الأوروبيين بأنهم يتكلون على الإنفاق الدفاعي الولايات المتحدة، وهو أمر "ظالم جداً للولايات المتحدة.. ينبغي على هذه الدول دفع ما عليها" ومع ذلك، شكر ميركل على التزام ألمانيا بزيادة مساهمتها في حلف الناتو إلى 2 % من الناتج المحلي الإجمالي.
وتؤكد هذة الملاحظات، أن الرئيس ترمب، إنما يواصل العمل بالملفات الأميركية العالقة، ولكن بنفس جديد. ومفاده أن الولايات المتحدة تشعر أنها مظلومة من الحلفاء الأوربيين الذين يجيدون لفلفة الأمور، ويقلصون تبعاتهم ومسؤولياتهم، إن في التجارة، أو على صعيد الناتو.
مكانة الصادرات في الاقتصاد الألماني
وأفادت أرقام مكتب الإحصاءات الألماني أن الشركات الألمانية باعت في السنة الماضية منتجات بقيمة 107 مليار يورو للولايات المتحدة الأميركية. وهذا يشكل تقريبا ضعف ما تم استيراده من الولايات المتحدة الأميركية. ويبدو أن الطلقات التحذيرية الحمائية من واشنطن هي موجهة إلى ألمانيا، وهي عقبات تجارية مضرة بالاقتصاد الألماني الذي بلغت فيه مردودية صادراته مستوى 40 % في العام الماضي. كما تشكل الولايات المتحدة الأميركية أقوى سوق لصادرات الشركات الألمانية بنسبة 10% من مجموع الصادرات الألمانية.





