كيف نزن خسارة اليمين الهولندي المتطرف بدقة؟

الصورة: لافتة رفعت في مسيرة بألمانيا تشير إلى زعماء اليمين المتطرف في العالم وأوربا (من اليسار : ترمب، ‏ماري لوبان، فيلدرز، هتلر).‏

ضرغام الدباغ

عندما تكتب وكالة أنباء محترمة، حصيفة‎ ‎كوكالة الأنباء الألمانية، تزن كلماتها بالمثاقيل، نبأ خسارة ‏الحزب اليميني المتطرف عنواناً لنبأ عدم فوز الحزب اليميني الهولندي هكذا "أوربا تتنفس الصعداء‏‏"، فإن الأمر له دلالته العميقة، والبعيدة الغور جداً... ويكتب سياسي ألماني رفيع المستوى : هولندا... ‏يا هولندا أنت بطلة ..! أهنئك على هذه النتيجة العظيمة‎."‎

 

وقبلها كانت مذيعة القناة الأولى الألمانية وهي بدورها القناة الأقدم في ألمانيا، ويعتبر العاملين فيها من ‏مشاهير الإعلاميين، لم تتمالك مذيعة نشرة الأخبار مشاعرها في إخفاء بهجتها،  في تعليقها على ‏مراسل القناة من العاصمة الهولندية لاهاي على الهواء نبأ خسارة اليمين الهولندي بقولها : وهذا يعني ‏أوربياً الكثير ..! ماذا يعني هذا الحماس الطاغي لعدم فوز اليمين، رغم أنه لم يخسر الانتخابات خسارة ‏كبيرة، بل تقدم بثلاثة مقاعد جديدة، ولكن عدم إمكانه تأليف حكومة بمفرده أو تسيد الموقف، يحقق فيها ‏برامجه الفظيعة يعني وحده مكسب ومكسب كبير ......!‏

كيف لما أن نزن أبعاد خسارة اليمين الهولندي المتطرف (النازية الجديدة) بدقة، وما هي تأثيراتها ‏الأوربية، والعالمية، وبالتالي على قضايانا العربية ...؟

يوم 16 آذار/ مارس وقعت ملكة بريطانيا على المرسوم الذي يطلق آلية تنفيذ قرار الخروج من ‏الاتحاد الأوربي (البريكست)، ومن المؤكد أن المرسوم كان بانتظار ما ستسفر عنه الانتخابات ‏الهولندية. ولو كان اليمين الشعبوي (يطلقون عليه في أوربا الشعبوي تجنباً لإطلاق التسمية الأصح : ‏النازي الجديد، أو الفاشي) كان قد أحرز مقاعد بما تكفي ليقرر الموقف الجديد في هولندة، لكان أثر ‏تأثيراً مباشراً على الانتخابات المقبلة في فرنسا (نيسان/ أبريل المقبل)، التي بدورها هللت لخسارة ‏اليمين، وبعدها في ألمانيا التي ستشهد هذا العام الانتخابات للبرلمان الاتحادي وسيكون على درجة ‏كبيرة من الأهمية، ولأن اليمين قوي في فرنسا، وستبلغ مرشحته السيدة ماري لوبان الدورة الثانية على ‏الأرجح، فالوضع لا يخلو من خطورة، وبالرغم من أن الموقف في ألمانيا مطمئن أكثر لكن ليس بدون ‏خطورة، وعلى الأرجح فإن أي من الأحزاب (الديمقراطية) سوف لن يكون بوسعه تشكيل حكومة ‏بمفرده.‏

والخطورة بتقديرنا ليست محدقة بدرجة عالية الآن، ولكن مؤشرات ومعطيات كثيرة تمنح الأوضاع ‏السائد في أوربا والعالم طبيعة ما كانت عليه في الثلاثينات، فالحزب النازي الألماني لم يفز في ‏الانتخابات من الدورة الأولى، بل فشل عدة مرات في تحقيق الأغلبية، ولكنه نجح أخيراً عام 1933 في ‏كسب الأغلبية التي مكنته من تشكيل حكومة وإحداث تغيرات قادت إلى الحرب العالمية الثانية. وعندما ‏يصرح رئيس الوزراء التركي، بن علي يلديرم، أن الاتحاد الأوربي يعاني مشاكل جمة، فهذا التقدير لا يجانب الصواب، ‏فأوربا تعيش مشكلات وتناقضات تحت سطح يبدو هادئاً، ولكن أوربا تمور بمشكلات عديدة، وليست ‏التناقضات القومية والدينية وحدة المصالح الوطنية، فهناك مشكلات من كل الأنواع، وبمختلف ‏الدرجات من الحدة، ولكن عندما تبلغ العلاقات درجة معينة من السخونة، فستبرز مشكلات ترقد الآن ‏في الرفوف العالية، ستنزل وتوضع على الطاولة، وطالما الحساب قد بدأ فلنجر حساباتنا شاملة ..!‏

وبهذا الخصوص يندر أن دولة أوربية ليس لديها حسابات مؤجلة بعد الحربين العالميتين الأولى ‏والثانية، ويندر أن دولة أوربية لا تجد أن أراض وطنية لها قد استولي عليها المنتصرون، وهذا يمثل ‏ظلم قومي ووطني. إضافة إلى مشكلات كثيرة أخرى، حسابات أرض، وسواحل، وجرف قاري، ‏وموانئ، وجزر ومقاطعات، وقواعد مغتصبة منذ العهود الاستعمارية، وملفات قديمة .‏

إذن فمعسكر الأحزاب والحكومات "الديمقراطية" يشهد مشكلات عديدة ولا يقف متحداً أمام جموح ‏اليمين المتطرف "النازي" الذي يطل بواجهات جديدة، ويحاول طرح شعارات جديدة، وهو نفسه ‏‏(اليمين الأوربي) يحاول أن ينفي عن نفسه أمام ماكنة الدعاية الرأسمالية صفة النازية والفاشية، وبرغم ‏سياسات الإيحاء التي تمارسها حتى الحكومات، إلا أن الأمر مفهوم بدرجة كبيرة، وحتى بالنسبة ‏للأحزاب اليمينية، لا يعقل أن الأمر كله يتركز في معاداة الأجانب والمسلمين، فهذه إشكالية يمكن أن ‏تحل خلال أيام ... وماذا بعدها .....، أليست هناك فقرات في برامجهم حول الوضع الداخلي والأوربي ‏والعالمي ..؟

ماذا عن الاتحاد الأوربي؟ ‏

ماذا عن حلف الأطلسي؟

ماذا عن الدول الصناعية الثمانية (‏G8‎‏)؟

ماذا عن اتفاقيات التجارة الدولية؟

ماذا عن منظمة الدول العشرين؟

بتقديرنا اليمين المتطرف (النازية الجديدة) لم تسفر بعد عن برامجها الحقيقية، وما رشح حتى الآن لا ‏يعد عن كونه شعارات للانتخابات البرلمانية في البلدان التي يشتد فيها التوجه اليميني، ثم ترى نحن ‏أمام سؤال مهم : القوى والأحزاب اليمينية اجتمعت واحتفلت بمناسبة فوزر دونالد ترمب في الولايات ‏المتحدة، ثم اجتمعت واحتفلت بمناسبة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي، والسؤال ترى هل هناك ‏مستوى، أي كانت درجته من التنسيق بين هذه القوى .. وبين برامجها، ومع من تلتقي، ومع من ‏تصطدم ..؟ فهذه الضجة الكبرى ليست بدون معنى .. فالأوربيون لا يفقدون رزانتهم بسهولة فيتقافزون ‏فرحاً هكذا في الشوارع وأمام التلفاز ..!‏

برأينا، أن خطورة اليمين الأوربي لم تختفي بهذه النتيجة، وهن يقولون بأعلى صوتهم، الأمر لم ينته ‏بعد ..! نحن باقون (قالها الهولندي فيلدرز)، وبتقديرنا أنهم شكلوا ضغطاً على قرارات الحكومة ‏الهولندية الليبرالية بصدد الأزمة مع تركيا ..! وسيواصلون ضغوطهم (بقصد كسب صناديق ‏الانتخابات)على السياسات المحلية والأوربية محققين بعض من أهدافهم، هنا هناك، وأن نفوذهم في ‏تصاعد في ظل ضياع الأوربيين لبوصلتهم المحلية والأوربية والعالمية .‏

ما يحدث في أوربا هو بتقديرنا تعبير عن مستو بلغه النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي في ‏الدول المتقدمة صناعياً بصفة خاصة، وهو نتيجة مباشر للهاث وراء المكاسب بصرف النظر كيف ‏تكون، مرحلة أصبحت الحكومات فيها أداة طوع إشارة الشركات والبنوك العظمى، وإذا كان النظام ‏العولمي الذي تخيله علماء الغرب قد انتهى بعد نيف وثلاثة عقود من تأسيسه، ولم يكن يعني سوى ‏هيمنة الولايات المتحدة على العالم، في دور بطريركي لم تعد الولايات المتحدة تطيق تحمل أعباؤه، ‏فأفلس في عهد إدارة الرئيس أوباما، وانتهى رسمياً في عهد الرئيس ترامب الذي سيعيد كل دولارات ‏العالم إلى أميركا، والأوربيون الذي اعتادوا مستمتعين بقيادة الولايات المتحدة، على الاسترخاء، عليهم ‏اليوم أن يواجهوا مشكلاتهم المحلية والخارجية. وقد شرعت دول أوربية بزيادة تخصيصات الدفاع .‏

التنافس سيشتد في النظام العالمي، وسيتعاظم مجهود كل دولة في الحفاظ على مكوناتها، وبتقديرنا، أن ‏منطقتنا محكومة بأعلى درجات التنسيق السياسي والاقتصادي، وإلا فإن سيل الطوفان سوف لن يرحم ‏من يعمل لوحده.‏

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :133,414,388

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"