قطع الرؤوس صناعة إيرانية

نزار السامرائي

رامي كريم ضابط في جيش التحالف الحاكم في العراق ومشبّع بتقاليده ووفي لأخلاقياته التي أرساها عملاء إيران الذين لا يطيقون رؤية جيش عراقي يعيد إلى ذاكرتهم كابوس الهزيمة المنكرة التي ألحقها بهم الجيش العراقي في قادسية صدام وجرّع خميّنهم كأس السم، فجعلوه أضحوكة بين جيوش العالم من حيث الفساد وانعدام الكفاءة وانحدار قادته من مشردي الأزقة المظلمة والسراديب المعتمة إلى أعلى المراكز القيادية فيه، هذا الضابط المضبوط بارتكاب أشنع الجرائم وما خفي تشيب لها الأطفال، وبصرف النظر عن عرقه ودينه وطائفته وعشيرته هو تجسيد لقيم العملية السياسية الشائنة وكل ما أفرزته من مؤسسات مدنية وعسكرية وأمنية، لأن من ينتمي لواحدة من هذه المؤسسات الفاسدة لا يقل فسادا عنها بأي قدر من المقادير وربما يضيف إليها كثيرا من أخلاقياته وما تربى عليه أو قناعاته إليها بحيث تصبح من تقاليدها المضافة، ومعتادة من قبل الوسط الذي يعمل فيه سواء كانت فصيلا أو سريّة أو فوجا أو لواءً.

 

في 7/12/2015 وصل هذا الكائن الشاذ إلى ألمانيا وأقام في برلين ومن غبائه أو لخطة كانت في ذهنه جاء حاملا معه أدلة إدانته متباهيا بها معتبرا إياها دليل بطولة وشرف له وتزكية له في حال عودته إلى العراق كي يطالب من خلال هذه الصفحة السوداء بحقوقه "كمجاهد قديم" كما هو فعل مئات الآلاف من اللصوص ومدمني المخدرات أو المسكرات وليصبح مسؤولا عن أحد مكاتب الأحزاب الشيعية ممن عاش في إيران أو مشردا في المنفي أو قاطع طريق في العراق.

ولكن عدالة السماء كانت له بالمرصاد فبعد العثور على أدلة مؤكدة عما ارتكبه من فاحش الفعل أحيل إلى محكمة  الجرائم الألمانية بعد أن تم اعتقاله في آب/أغسطس 2016، وتم تسجيل اعترافاته من قبل النائب العام الذي وصف فعلة هذا الضابط  بقطع رأسي ضحيتين في ضواحي تكريت وقام بالعبث بهما أمام الكاميرات بناء على أوامر من قادته على حد زعمه بأنها جريمة حرب تنتهك كرامة الإنسان وتسخر من آدمية الضحايا.

قد يكون هذا الخنزير من ضباط الدمج الأميين أو أنصاف المتعلمين أو قد يكون من متخرجي المعاهد العسكرية الذين أدوا يمين الولاء في أحد المراقد الشيعية، وأيا كان ماضيه فهو محترف لجريمة حرب كاملة الأركان، ولا يتحمل لوحده مسؤوليتها بل يتحمل المسؤولية الجنائية كل من أصدر الأمر بارتكابها صعودا إلى أعلى المستويات القيادية في المؤسستين العسكرية والسياسية، والزعامات الدينية التي أصدرت أوامرها بتشكيل المليشيات وقادة هذه المليشيات الذين أججوا نار الفتنة برفعهم شعارات الثأر للحسين من أحفاد قاتليه، وكل من سار على مقولة نوري المالكي من أن الحرب هي بين جيش الحسين وجيش يزيد، ليس هذا فقط ويتحمل المسؤولية الأخلاقية كل من عرف بوقوع جريمة من هذا القبيل ولم يكشف تفاصيلها مدفوعا برغبة التستر على المجرمين، وكذلك كل جهاز إعلامي لا يعطي هذه القضية الإنسانية ما تستحق من اهتمام بل وعتّم عليها. 

لا أدري لماذا تجاهل الذين تعرضوا لانتهاكات حقوق الإنسان أو للظلم في بلدانهم مزايا القانون الألماني الذي يتيح لهم التظلم لديه أو لدى السلطات القضائية في الدول الأوروبية الأخرى خاصة وأن تشريعات هذه الدول تتيح الفرصة لمطاردة مرتكبي جرائم الحرب والمتهمين بارتكابها خارج الأراضي الأوروبية، وخاصة القانون الألماني حتى لو لم يكن الجناة على تراب ألمانيا.

إن ما تعرض لها العراقيون السنّة من ظلم وجرائم حرب وقتل وانتهاكات وتغييب وتهجير أثناء وبعد العمليات الحربية ضد تنظيم الدولة الإسلامية على يد القوات النظامية ومليشيا الحشد الشعبي، في محافظات ديالى وصلاح الدين والأنبار وحزام بغداد وشمالي محافظة بابل ومحافظة التأميم "كركوك" وأخيرا محافظة نينوى، بحجة الانتماء لداعش، يجب أن يعرض بشفافية أمام القضاء في أية دولة تقبل النظر بالدعاوى المقدمة لها، خاصة وأن الكثيرين من الضحايا أو ذويهم كانوا يواجهون صعوبة بتوفير المال اللازم من جهة أو المستمسكات التي ليس بمقدور أحد يعيش في العراق توفيرها خشية على حياته أو حياة أفراد أسرته. 

إن وجود 1300 محقق و240 قاضيا ألمانيا لمتابعة جرائم الحرب في سوريا والعراق يبعث برسالة أمل لكل من تعرض لأي وجه من وجوه الاضطهاد لسبب يتعلق بالدين أو المذهب، خاصة وأن القضاء في العراق قضاء مسيس ويأتمر بأوامر السلطة التنفيذية ويلهث وراءها طالبا رضاها وراغبا بامتيازاتها.

نعود إلى قضية رامي كريم ونرى من حقنا بل من واجبنا طرح عدد من الأسئلة عن أسباب مغادرته العراق مع موجة الهجرة الجماعية التي شهدتها أوروبا وخاصة من سوريا والعراق...

السؤال الأول: لماذا فر هذا المجرم وهو ضابط له من الامتيازات ما لا يمكن تعداد فقراتها، واختار التفريط بالوجاهة التي تحيطه بها رتبته، وكل ما يحصل عليه من امتيازات مالية؟ هل هو مكلف بمهمة محددة في ألمانيا بالذات كقطع رؤوس المهاجرين المعارضين من خلال الاندساس بينهم وخداعهم بأنه معارض، خاصة أن من كانت أخلاقه هذه لا يتورع عن ارتكاب كل الموبقات وأشنع الجرائم؟ أم أنه مكلف بارتكاب جرائم كي تسجل باسم داعش؟ وكيف يمكن أن تأمن السلطات الألمانية وجود قاتل محترف منزوع الإنسانية بهذا الشكل لو عاش واندمج في المجتمع الألماني؟ بل هل يمكن أن تأمن السلطات الألمانية على حياة بقية السجناء في وضعه في سجن مفتوح؟

السؤال الثاني: كم من المندسين من شاكلة رامي كريم يتواجد الآن بين صفوف المهاجرين الذين وصلوا إلى أوروبا وما هي المهمات التي كلفتهم بها إيران وميليشياتها وعملاؤها وحلفاؤها، لتنفيذ جرائم إرهابية في أوروبا؟ وعلينا أن نستذكر تهديدات مفتي نظام القتل في سوريا المحتلة المدعو أحمد حسون والتي قال فيها إن الانتحاريين سوف يحولون حياة أوروبا إلى جحيم؟ فهل هذه التسللات جزء من هذه الخطة

السؤال الثالث: ما هو التنظيم الذي ينتمي إليه هذا المجرم؟ ومن يقف وراءه؟

لندع جانبا العشيرة أو الطائفة التي ينتمي إليها هذا الوحش البشري، إذ يمكن أن يخرج من أية عائلة أو عشيرة أو طائفة ابن عاق يسبب لها حرجا كبيرا بسبب انحرافه الأخلاقي والسلوكي كأن يصبح لصا أو قوادا أو شاذا جنسيا، لكننا في حالة رامي كريم ومن يقف وراءه، إزاء ظاهرة تفشي الممارسات المنهجية للمؤسسة الأمنية والعسكرية والمليشيات المشكّلة بفتوى الجهاد الكفائي من جانب علي سيستاني، وإن كانت كلها تخضع لسلطة الجنرال الإيراني قاسم سليماني، وهذه التشكيلات كلها تتبع حكومة حيدر العبادي المنصبة من جانب إيران وتحظى بدعم أمريكي معلن، والعبادي يصر وبعناد بليد وبمنتهى الغباء على اعتبار هذه المليشيات جزءً من القوات المسلحة مما يضعه في دائرة المسؤولية المباشرة عن سلوك أفرادها على الأقل بتشكيل مجالس تحقيق عسكرية لمتابعة تهم التعذيب والقتل خارج القانون وانتهاك حقوق الإنسان، ومن الأفضل فتح الباب للمنظمات الحقوقية الدولية مثل هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية والمنظمات الحقوقية الأوروبية والمنظمات الحقوقية العراقية التي تتخذ من الدول الأوروبية مقار لها، وبشرط استبعاد المنظمات العراقية والعربية التي تدور حول متانتها السلوكية ونزاهتها شكوك جدية ويقال إنها تخضع للابتزاز السياسي أو المالي من جانب الحكومة أو المليشيات أو الكتل السياسية.

ما حصل وما زال يحصل لا يمكن علاجه أو وضع حد له من جانب القضاء الألماني لوحده على أهمية الدور الإنساني الذي يضطلع به القضاء الألماني، وإنما يتطلب تضافر جهود لجهات مختلفة بعيدة عن السياسة وبعيدة عن دور الأمم المتحدة لأن المنظمة الدولية في حال دخولها إلى هذا الملف فلن يتجاوز دورها تعيين ممثل للأمين العام للأمم المتحدة مع ذيل إداري طويل يستنزف أكبر الميزانيات من أجل توفير أعلى مستوى اجتماعي ومعيشي لموظفي الأمم المتحدة وسنرى أن تجربة ديمستورا وإسماعيل ولد الشيخ أحمد وكوبلر، سوف يتم استنساخها في ملف إنساني فتتحول إلى قضية سياسية قابلة للمساومات تحت الطاولة، وطالما كنا نحن العرب ضحايا ممثلي الأمم المتحدة.

 

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :133,410,630

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"