هل يُفسِد #ترمب العلاقات التركية الروسية؟

محمد زاهد غُل

بتاريخ 23 أيلول/ سبتمبر 2015 كان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في موسكو بدعوة رسمية من الرئيس الروسي، فلادمير بوتين، لافتتاح مسجد موسكو الكبير، والذي ساهمت رئاسة الشؤون الدينية التركية بترميمه.

 

وكانت تلك الزيارة فرصة للرئيس أردوغان أن يؤسس لتفاهم تركي روسي بشأن القضايا الثنائية والدولية العالقة، وبالأخص القضية السورية، التي كان قد مضى عليها أربع سنوات قاتلة، دعمت فيها روسيا الأسد وإيران في قتل الشعب السوري، ولكن روسيا دعمتهما بالفيتو الروسي مراراً ضد مصالح الشعب السوري، وبعد تلك الزيارة أعلن عن ضرورة تشكيل لجنة ثلاثية تركية روسية أميركية لمعالجة الوضع في سوريا، ولكن روسيا فاجأت تركيا والعالم بالتدخل العسكري بتاريخ 30/9/2015 وهي تدعي أنها تدخلت لمحاربة تنظيم الدولة داعش، ولكن غاراتها كانت تستهدف مواقع المعارضة والجيش السوري الحر والمدنيين والمرافق المدنية، فكان هذا العدوان الروسي نذير توتر في العلاقات التركية الروسية تضخمت حتى إسقاط الطائرة الروسية بتاريخ 24/11/2015 فوق الأراضي التركية، وهو ما أدى إلى حالة عداء بين الدولتين، أضرت بالعديد من الاتفاقيات الاقتصادية والسياسية والعسكرية وغيرها.

هذه الأضرار الاقتصادية لم تحتملها الأسواق الروسية والتركية أولاً، كما أن الحكومة التركية لم تجار الانفعال الروسي وعرضت حلولا سياسية للمشكلة، وقد حصلت المصالحة بعد أشهر، لأن كليهما يدرك أن الغرب وفي مقدمته أميركا في عهد جون كيري وبايدن كانا سعيدين لتوتر العلاقات التركية الروسية، كما أن حلف الناتو لم يظهر تأييدا كافيا لحليفه التركي وهو يسمع تهديدات روسيا له، بل سحب بطاريات صواريخ الباتريوت من تركيا في خضم هذه الأزمة، فأدركت تركيا أن أي خطوة روسية إيجابية نحوها ينبغي أن تقابلها بخطوتين، وهكذا تم الاتفاق على لقاء قمة بين أردوغان وبوتين في التاسع من سبتمبر 2016 في بطرسبورج الروسية، ولكن الانقلاب العسكري الفاشل في تركيا بتاريخ 15 يوليو 2016 كاد أن ينهي هذا التقارب، لأن تنظيم فتح الله غولن، قائد الانقلاب في تركيا، هو على علاقات سيئة مع روسيا أيضاً، وقد صادف وجود جون كيري في موسكو ليلة الانقلاب، مبشراً الروس بقرب وقوع انقلاب يطيح بأردوغان، ولكن فرحته لم تطل وأبلغه بوتين بفشل الانقلاب، وسارع بوتين بتهنئة أردوغان بفشل الانقلاب واستعداده لمواصلة العمل مع تركيا لحل الخلافات بينهما وتثبيت اللقاء في بطرسبورغ.

لم يجعل الموقف الروسي من الانقلاب صديقاً حميماً لتركياً لأن الاتفاقيات السابقة كانت تعد بمائة (100) مليار من التبادل التجاري خلال أعوام قليلة بينهما، فضلا عن مشاريع الغاز ونقله، ومشاريع بناء محطات توليد الطاقة النووية في تركيا وغيرها، فالعلاقات التركية الروسية قوية جدا، وما أفسدها هو الانحراف الروسي عن جادة الصواب في تناول قضايا تمس المواقف التركية والإسلامية بالإساءة أو العداء أو الإحراج، وبعضها يمس الأمن القومي التركي بالخطر، وتظن روسيا أن هذه المسائل يمكن التفاهم عليها مع تركيا، أو قد تطلب من تركيا مساعدتها فيها، وهي ضد المصالح التركية، ومنها احتلال جزيرة القرم، والخلاف مع أوكرانيا وأذربيجان، والمسألة الأرمنية والقبرصية، وأخيرا وليس آخراً القضية السورية وتطوراتها الخطيرة على تركيا، سواء بالاتفاق مع إيران على حل ظالم ومستحيل في سوريا، أو بدعم روسيا للأحزاب الإرهابية الكردية المعادية لتركيا مثل حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي، فروسيا تدعم كلا الحزبين سياسيا وعسكريا في سوريا، وبالتالي تعرض الأمن القومي التركي والعربي للخطر.

وعندما حاولت تركيا مواجهة السياسة الروسية في هذه القضايا وجدت أن الإدارة الأميركية في عهد أوباما غير مكترثة بالمصالح التركية، فاضطرت تركيا إلى التقارب مع روسيا على أمل أن تمنع روسيا عن الإضرار بتركيا بالطرق الودية والسياسية طالما أن الدول الغربية وأميركا في حالة ضعف وتردد باتخاذ قرارات قوية ضد روسيا أولاً، وضد إيران في سوريا وغيرها، وقد تمكنت السياسة التركية من تحقيق بعض المكاسب من روسيا بالرغم من اعتبارها دولة محتلة لسوريا مثلها مثل إيران سواء بسواء، وذلك بالتفاهم معها على عملية "درع الفرات" أولاً، وهي العملية التي مكنت الجيش السوري الحر من استعادة بعض المدن السورية العربية من الميليشيات الإرهابية، وبذلك فإن روسيا وافقت ولو ضمنيا بمفهوم المنطقة الآمنة شمال سوريا، وكذلك كسبت تركيا من روسيا الاعتراف بالمعارضة السورية المسلحة واجتمعت معها في أنقرة واستانا، بعد أن كانت تعتبرها منظمات إرهابية.

ولكن روسيا لم تثبت مصداقيتها في حفظ ضمانتها لوقف إطلاق النار الذي وقعته في أنقرة مع المعارضة السورية المسلحة، بل لم تلتزم هي نفسها بهذا الاتفاق، وبالتالي فشلت في أن تكون دولة راعية للاتفاق السياسي في سوريا، وجاءت إدارة ترمب برؤية جديدة لمعالجة القضايا في الشرق الأوسط وسوريا، وبالأخص ردع العدوان الإيراني عن المنطقة، وهو ما تتفق فيه تركيا مع الدول العربية، لأنها متضررة جدا من السياسة الإيرانية الطائفية بزعزعتها لاستقرار المنطقة، ولذلك فإن ثبات ترمب على سياسته التقاربية مع تركيا إن لم تكن على حساب علاقات تركيا السياسية مع روسيا، فإنها ستساعد السياسة التركية على رفض السياسة الروسية في سوريا على أقل تقدير، لأن خلاصة مؤتمرات أنقرة واستانا الأول والثاني مع روسيا أثبتت عدم مصداقية روسيا بتعهداتها مع المعارضة السورية، وإلا فإن روسيا عاجزة فعلاً على لجم الحرس الثوري الإيراني في سوريا، وبالأخص أن هناك إشارات بتورطه بقتل ستة جنود روس قبل أيام، كرسالة تهديد للجيش الروسي في سوريا، فإيران أفشلت مؤتمر أستانا لإفشال الجهود الروسية السياسية في سوريا.

 

نشر المقال هنا

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :133,412,126

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"