هيئة علماء المسلمين: قانون العفو العام اتفاق سياسي يخدم المجرمين والفاسدين المنتمين لأحزاب النظام

اكدت هيئة علماء المسلمين في العراق ان النظام الحالي في العراق مصر على احكام سيطرته على قانون العفو العام ليشمل الفاسدين والقاتلين المنتمين للأحزاب الداعمة له ويستثنى منه المظلومون.

 

وذكرت الهيئة في بيان لها، اليوم السبت، ان قانون العفو العام جاء مُـفـرغا من محتواه، وقد خضع مرارا وتكرارا لعقد صفقات سياسية، وانه عبارة عن (صيغة توافقية) بين الساسة، كلٌ لخدمة مصالح كتلته أو حزبه أو شركائه، ممن ارتكبوا الجرائم أو كانوا شركاء فيها، مشيرة الى انه مجرد اتفاق سياسي لا يراد منه تحقيق العدالة.

واكد البيان ان هذا القانون لم يكن ليمرر إلا بعد الاتفاق أصلا على مخرجاته قبل وضعه للنقاش، وجعله إطارا لعقد صفقات انتخابية، وذريعة للإفراج عن حيتان الفساد ومجرمي الميليشيات، كما سيتم استخدامه من قبل كثير من السياسيين ذريعة للتضليل وتبرير بقائهم في العملية السياسية ذات الأبعاد الاستئصالية الطائفية، ولاتخاذه وسيلة دعائية في حملاتهم الانتخابية على مشارف انتخابات مجالس المحافظات ومجلس النواب.

واشار الى ان القانون يخص جهات معينة وهي من تلطخت أيديهم بأموال العراقيين ويقصدها دون غيرها، ما يتعارض مع عمومية النصوص القانونية، كما ان مواده تغلق كل أبواب العفو، وتضيق ما استطاعت من فرص الاستفادة منه، اضافة الى ان الفقرات التي تخص (قانون الإرهاب) جاءت متناقضة، وفيها فقرات أعدت خصيصا لشرائح بعينها.

وخلصت هيئة علماء المسلمين الى القول ان هذا القانون سيُعتمد لتجميل صورة القضاء الـمسيس في العراق، بغية تحصين المجرمين المدعومين من القوى السياسية المشكلة للحكومة، وظلم المواطنين الأبرياء وفق منهج طائفي مكشوف، خدمة لطبقة سياسية عجزت عن أن تقدم أي شيء لمن انتخبها.

 

وفيما يأتي نص البيان

 

بيان رقم (1202) المتعلق بتمرير قانون العفو العام في مجلس النواب وأبعاده وحقيقة محتواه

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:

ففي خطوةٍ باتت مفضوحة تعبر عن استخفاف حكومة الاحتلالين الأمريكي والإيراني بمشاعر الشعب العراقي وأهالي المعتقلين الأبرياء المظلومين، بعد انتظار طويل ولسنوات عجاف من أمهاتهم وأطفالهم وزوجاتهم لتقر أعينهم بهم أحرارا من الظلم والجور والتعذيب، أقر مجلس النواب في (25/8/2016) وفق صفقة سياسية، قانون العفو العام بعد فشله في تمريره وإقراره في السنوات الماضية.

وبعد دراسة معمقة ومناقشة لمواد هذا القانون وأبعاده مع مختصين بالقانون، تسجل هيئة علماء المسلمين مثالب هذا القانون فيما هو آت:

 1) إن العالم بمنظماته الحقوقية العالمية المستقلة، ومنظمات حقوق الإنسان، والمقرر السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، ومجلس حقوق الإنسان، وجميع المنظمات الإنسانية يجمعون على أن لا عدالة في العراق، وأن المواطنين الأبرياء أكثر عرضة لعمليات الاعتقال في معتقلات الكثير منها سرية، ويجري تعذيبهم وانتزاع اعترافاتهم بالإكراه، وحرمانهم من حق الدفاع عن أنفسهم، ثم يأتي دور تلفيق شهادات (المخبر السري) ضدهم، وقد لا يكون هناك بالأصل مخبرٌ لتلفيق التهم، ومع كل هذا تصدر أحكام الإعدام في كثير من الحالات، وإذا كان هذا هو الوضع من الأساس ـ وهو كذلك ـ فأي عفو يتحدث عنه مجلس النواب.

2) الملاحظ على القانون أنه يخص جهات معينة ويقصدها دون غيرها، وهذا يتعارض مع عمومية النصوص القانونية، والصفة الأصلية لها أن تكون عامة تشمل طبقة كبيرة من أبناء المجتمع، دون تفريق بين هذا وذاك.

3) هذا القانون مشكوك فيه استنادًا إلى التجارب المريرة للمنظومة القضائية في العراق خلال السنوات الثلاث عشرة الماضية، وعدم استجابتها لتحقيق مبادئ العدالة الحقيقية، وإهمالها شبه التام لشكاوى التعذيب في السجون الحكومية.

4) إن قوانين العفو العام التي ينظر لها بعين القبول والاطمئنان هي تلك القوانين التي يراد من صياغتها وإقرارها وتحقيقها والعمل بها، أن تشمل عددًا كبيرًا من المظلومين، وتقوم وفقًا للحق ومبادئ العدالة، بخلاف هذا القانون الذي تكاد مواده تغلق كل أبواب العفو، وتضيق ما استطاعت من فرص الاستفادة منه.

5) تضمّن هذا القانون في مادته الأولى حكمًا عامًا مطلقًا مقيدًا بالمسؤولية المدنية، والتأديبية، والانضباطية، وهذا أمر جيد، لكن المشرع أفسد هذا النص بالاستثناءات التي تطغى على القانون. وإلا فأين نحن من الاعتراض على جرائم المخبر السري أو انتزاع الاعترافات بالاكراه، أو اعتراف متهم على آخر. حيث كان يفترض بالفقرة الأولى من (المادة العاشرة) من القانون، أن تشمل كافة المتهمين أو المحكومين، الذين كانت قضاياهم معيبة بأي طعن من الطعون أعلاه، دون النظر إلى النص القانوني الذي يحكم التهمة، ولكن هذا لم يحصل، وأغفله المشرع، وربما سيشمل فقط المتهمين بنوع خاص من الجرائم، وستستفيد منه جهات معينة فقط، مما أخل بحيادية المشرع في مدى عمومية القاعدة القانونية التي اعتمدها في العفو في هذه الجزئية.

6) إن القانون لا يشمل من سماهم القانون ((من تلطخت أيديهم بدماء العراقيين))، وأن أغلب هؤلاء قد أدينوا بوشاية المخبر السري مـمن تم اعتقالهم في الحملات الطائفية الممنهجة وأدرجوا تحت المادة (4/إرهاب) المعروفة ببعدها الطائفي، وإنما يعتمد على إعادة محاكمات فئات من المعتقلين ممن أدينوا بقضايا قابلة للمساومات السياسية، وحصول التوافقات السياسية للإفراج عنهم في مقابل عقد صفقات إفراج عن مدانين بالفساد ممن يتبعون هذا الطرف أو ذاك من أطراف الكتل السياسية، وهذا يؤكد ما تقدم من كونه يشمل بمواده فئات بعينها، هي (من تلطخت أيديهم بأموال العراقيين) ممن قدموا أنفسهم لحمل تبعات ملفات الفساد بالنيابة عن مسؤولين حكوميين نافذين في الحكومة لقاء حصولهم على نصيب بخس من صفقات الفساد.

7) بحسب الفقرة العاشرة من (المادة الخامسة)، يقوم هذا القانون بإخراج المختلسين وسراق أموال الدولة، ومن أهدر المال العام عمدًا، من السجون، وحتى المحكوم منهم بعد إنهاء ثلث مدة محكوميته، مع أن العمد صفة ملازمة للمختلس والسارق، ولعموم من أهدر المال العام، إلا ما ندر، وفق الوضع الحالي للبلد، فضلًا عن أن ما يظهر من مبالغ مسروقة قضائيا، سيكون نزراً يسيراً في غالب الأحوال، وهذا مسلك يشجع على ارتكاب مثل هذه الجرائم (م5/10).

8) بحسب الفقرة الثالثة عشرة من (المادة الخامسة)، يستفيد منها المزورون لوثائقهم وشهاداتهم ويفيدون منها، ويحصلون بموجبها على مناصب تقل عن درجة مدير عام، وهذا يعطي هؤلاء الفرج والمشروعية لتزويرهم، وحصولهم على المنصب، بل وربما درجة أعلى على سبيل الوكالة، وحسبهم الآن أن يستمروا بالوظيفة، وأن ينتفعوا من هذا العفو. ولم تعتن هذه المادة في القانون بوضع أي شروط لتقييد إطلاق مضمونها على مرتكبي هذه الجريمة من حيث تولي المناصب العليا لاحقًا أو معالجتها وظيفيآ من حيث الترقية والمنصب والترشح للمجالس والهيئات، حيث هي من الجرائم المخلة بالشرف.

9) بحسب الفقرة الأولى من (المادة السابعة)، يمكن الخروج من السجن للمحكومين ممن أنهى ثلث مدة محكوميته، ويكون حاله حال غيره من المخلصين العاملين لوطنهم، وهذا افتيات على المواطنين وتجاوز على حقهم في معاقبة السراق والمفسدين، حيث شمل هذا القانون جرائم الاختلاس وجرائم استغلال المنصب والوظيفة والرشوة من الصفقات (العمولات)، بشرط إعادة الاموال المختلسة، فكيف يتم الكشف عن هذه الجرائم إذا علقت الدعاوي التحقيقية، وكيف تتم المحاسبة والمتابعة، وكيف يتم معرفة الأموال التي سرقت عن طريق العمولات. وهذه موضوع غير واضح في القانون، وكأنه وضع لحماية طبقة معينة من كبار المسؤولين السابقين واللاحقين، ولم يؤخذ بنظر الاعتبار عند وضع هذه الفقرة الوضع الاقتصادي المتدهور أو مصلحة البلد.

10) الارتباك في بعض نصوص القانون التي تتيح لجهات معينة الاستفادة منه، ومن أمثلة ذلك الفقرة السادسة من (المادة الخامسة)، التي تتحدث عن جرائم الخطف التي لم ينشأ عنها موت إنسان، ولم يكن مصيره مجهولًا، ولم يكن المخطوف مجهولًا، ولم تحدث له عاهة مستديمة وهذا ينطبق على الميليشيات التي تعبث بأمن وأمان المواطنين.

11) مما يجعل هذا القانون معطلًا وبعيدًا عن أن يكون قانون عفو عام ليشمل من ظلمتهم المحاكم الطائفية جورًا وبهتانًا، وظلمًا وعدوانًا، إنه يتيح إعادة محاكمة من يعفى عنه وفق القانون، بأن يُلقى القبض عليه مرة أخرى لعدم تنازل المشتكي أو الخصم في الدعوى، فهو حتى مع شمول العفو للمظلومين فهناك الطلبات التي تقدم وفق المادتين (السابعة، والثامنة) من القانون، التي سيعاد النظر فيها ممن أصدر الأحكام الظالمة أصلًا، من الهيئات التحقيقية والقضائية أو أي جهات غير مستقلة التي حققت وحكمت سابقًا،واشتراط تنازل (المشتكي أو ذوي المجني عليه) وفق (المادة الرابعة). هذا من ناحية، ومن ناحية أهم، شمول (العفو) لكل المتهمين بسرقة أموال العراق حتى قبل محاكمتهم وفقًا للمادة الثانية من القانون.

12) جاءت الفقرات التي تخص (قانون الإرهاب) متناقضة، وفيها فقرات أعدت خصيصًا لشرائح معينة بعينها، فضلًا عن قلة عدد المستفيدين من عموم أبناء الشعب، من القانون بحسب (المادة الثالثة).

13) شرعنة القانون لوقائع وضع اليد وسرقة العقارات المملوكة لأشخاص قد هاجروا وحسبوا على النظام السابق، فقد تم تغيير سجلات هذه العقارات إلى أموال أميرية للدولة، وتم امتلاكها من قبل مسؤولين وغيرهم عن طريق الشراء بأسعار زهيدة. وقد شمل قانون العفو جميع المزورين من موظفين وهيئات بعد التغيير والتزوير في السجلات العقارية، وهذه فقرة طارئة على النظام القانوني والقضائي العراقي حيث لم يكن لها سابقة مشابهة في أي قانون عفو خاص أو عام منذ تأسيس الدولة العراقية.

14) عدم شمول الفقرة المتعلقة بحيازة السلاح، واقترانها بشروط تعجيزية أفرغتها من محتواها.

إن هذا القانون جاء مُـفـرغًا من محتواه، وقد خضع مرارًا وتكرارًا لعقد صفقات سياسية، فالقانون عبارة عن ((صيغة توافقية)) بين الساسة، كلٌ لخدمة مصالح كتلته أو حزبه أو شركائه، ممن ارتكبوا الجرائم أو كانوا شركاء فيها. فهو اتفاق سياسي لا يراد منه تحقيق العدالة، إذ إن العدالة لا تتحقق في إعفاء حيتان الفساد ممن سرقوا أموال الشعب، مقابل إطلاق سراح مظلومين ما كان يجب أصلًا أن يعاقبوا، والعدالة لا تتحقق بإعفاء المتهمين بسرقات لم يعرف مثيلها تاريخ البشرية، بلا تحقيق ولا محاكمة وهذا في عرف القانون يتناقض حتى مع فكرة العفو، التي هي للمخطئ: حقا أو ظلما، ولا تعني عدم المساءلة من الأصل للمجرم الفاسد.

ولم يكن هذا القانون ليمرر إلا بعد الاتفاق أصلًا على مخرجاته قبل وضعه للنقاش، وجعله إطارًا لعقد صفقات انتخابية، ووضعه ذريعة لتمرير الإفراج والعفو عن حيتان الفساد ومجرمي الميليشيات المدعومين من الحكومة والسياسيين الفاسدين، وسيتم استخدامه من كثير من السياسيين ذريعة للتضليل، وتبرير بقائهم في العملية السياسية ذات الأبعاد الاستئصالية الطائفية، ولاتخاذه وسيلة دعائية في حملاتهم الانتخابية على مشارف انتخابات مجالس المحافظات ومجلس النواب، مثلما حصل مرارًا وتكرارًا.

وسيُعتمد هذا القانون كما جرى في حالات عديدة سابقة، لتجميل صورة القضاء الـمسيس في العراق، بغية تحصين المجرمين المدعومين من القوى السياسية المشكلة للحكومة، وظلم المواطنين الأبرياء وفق منهج طائفي مكشوف، خدمة لطبقة سياسية عجزت عن أن تقدم أي شيء لمن انتخبها.

وعلى الرغم من كل السلبيات والمثالب التي اعترت هذا القانون، فقد أعلن رئيس الوزراء (حيدر العبادي) يوم الثلاثاء الماضي: أن هذا القانون بعث بـ((رسائل خاطئة للإرهابيين))، وأن حكومته قدمت تعديلًا للقانون إلى مجلس النواب، في إشارة واضحة على إصرار الحكومة على إحكام سيطرتها على هذا القانون الجائر ليشمل عفوه الفاسدين والقاتلين المنتمين للأحزاب الداعمة للحكومة ويستثنى منه المظلومون.

 

الأمانة العامة

8 ذو الحجة 1437

10 أيلول 2016

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :133,413,295

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"