الباحثة سعاد العزاوي تحذر من مستقبل بيئي قاتم في #العراق

الصورة: خبراء يجرون مسوحات في مواقع متضررة باليورانيوم المنضَّب بالعراق، وفي الإطار الباحثة سعاد العزاوي.

تعتبر الباحثة والأستاذ المشارك في الهندسة البيئية، سعاد العزاوي، من أبرز الأصوات التي أطلقت التحذيرات على المستويين العراقي والدولي بشأن بيئة العراق التي أصبحت ملوثة وموبوءة. وكانت من أبرز من تصدّى لموضوع اليورانيوم الذي استخدم في الحرب على العراق وترك نتائج مدمرة على البيئة.

 

وتعيد العزاوي فتح هذا الملف من جديد على خلفية صدور تقارير عديدة تحذّر من أن بيئة العراق، التي كانت في ما مضى أكثر ما يميز العراق، هي اليوم في تدهور مستمرّ وأن التغيرات نتيجة الحرب وعمليات النزوح لن تطال فقط التركيبة الديمغرافية لسكان العراق بل وستؤثر أيضا على بيئته ومزارعه ومصادر مياهه.

أنجزت الخبيرة العراقية، مع مجموعة من الباحثين، العديد من البحوث والدراسات الخاصة بالتلوث الإشعاعي الناجم عن استخدام اليورانيوم المنضب وتأثيراته على السكان والبيئة في العراق مع دراسات أخرى حول التعامل مع النفايات الخطرة والمشعة، وأثبتت من خلالها أنه تم استخدام أسلحة محرّمة في العمليات الحربية وتم إسقاط القنابل العنقودية والفسفورية وأسلحة اليورانيوم المنضب على شعب منهك من 12 عاما من الحصار الاقتصادي.

وتعود سعاد العزاوي بذاكرتها 13 عاماً إلى الوراء، مشيرة إلى أن “القطعات العسكرية النظامية قاومت بشراسة، لثلاثة أيام، منع احتلال المفاصل الحيوية في العاصمة العراقية، مما اضطر القوات الأميركية لاستخدام قنابل نيوترونية لأول مرة في تاريخ الحروب الحديثة. وقد تحول ليل بغداد إلى نهار لحظة استخدام هذه القنابل وقد كنت أقف في حديقة منزلي في بغداد عندما ارتجت العاصمة على وقع استخدام هذه القنابل”.

من هنا، ترجع الباحثة العراقية، الحاصلة على جائزة مستقبل خال من النووي (Nuclear Free Future Award) العالمية في ميونخ، عام 2003، أسباب الزيادة في نسب الأمراض السرطانية والتشوهات الخلقية في العراق إلى ارتفاع مستويات التلوث بالمواد والعناصر المسرطنة في عناصر البيئة الرئيسية كالماء والهواء والزراعات. ومن هذه الملوثات العناصر المشعة مثل اليورانيوم المنضب الذي استخدم من قبل القوات الأميركية والبريطانية خلال العدوان على العراق عام 1991 وكذلك خلال العمليات العسكرية في عام 2003. أما الملوثات الأخرى فهي الملوثات بالمركبات الهايروكاربونية النفطية التي تسربت لعناصر البيئة نتيجة التخريب والهجمات على شبكة الأنابيب التي تنقل المواد النفطية حيث تم تسجيل حوالي 1046 حادث تفجير لأنابيب ومنشآت نفطية خلال الفترة من 2003-2014.

وتولدت عن احتراق المواد النفطية الناجم من هذه الحوادث مئات الآلاف من الأمتار المكعبة من أكسيد الكاربون والكبريت والدقائق الهايدروكاربونية المسرطنة، بالإضافة إلى تسرب آلاف الليترات من النفط الخام السائل إلى الأنهار والتربة والمياه الجوفية. يضاف لكل هذه الملوثات زيادة تراكيز العناصر النزرة أو الثقيلة في الهواء مثل الرصاص والناتجة من عوادم السيارات وكذلك من النشاطات الصناعية التي لا رقابة حقيقية عليها. وهذا الوضع البيئي جعل العراق يحتل المرتبة الأخيرة على مؤشر الأداء البيئي العالمي الذي تقوم به جامعة ييل الأميركية. وهذه المرتبة التي استمر عليها العراق لسنوات، حيث كان الأخير من مجموع 132 دولة لعام 2012، و149 من مجموع 178 دولة في السنوات التي تلت، تلخص مستوى أداء الحكومة والجهات المعنية بالبيئة في العراق ومدى تقصيرها الذي جعل بيئة العراق عدوا آخر للإنسان العراقي الذي يعاني من ويلات الحروب والاحتلال.

 

المرأة أكثر المتضررين

تتذكر الباحثة العراقية، عند التطرق إلى أوضاع المرأة العراقية بعد 2003، كيف حصلت بلادها في السبعينات على جائزة اليونسكو لمحو الأمية، وكيف أثّر ذلك في تحسّن وضع المرأة التي حصلت على حقوقها القانونية والتعليمية والاقتصادية والثقافية. وتضيف العزاوي “بشهادة كافة المنظمات ذات العلاقة فإن وضع حقوق المرأة في العراق كان متقدما في الثمانينات وإلى غاية الاحتلال الأميركي على وضع نظيرتها في الدول المحيطة في الشرق الأوسط. لقد أصبح في العراق أعلى نسبة من المهندسات والصحافيات والمدرسات والطبيبات والحقوقيات في المنطقة.

ونستطيع أن نتصور التقدم الذي وصلت إليه المرأة في العراق إذا علمنا أن نسبة الأكاديميات من حملة الشهادات العليا في كلية العلوم في جامعة بغداد كانت 67 بالمئة من مجموع الاختصاصيين في الفيزياء والكيمياء والبيولوجيا وتطبيقات الليزر والجيولوجيا وغيرها من الاختصاصات وذلك عام 1998”.

وتستطرد العزاوي بحسرة “لكن هذا الوضع تغير تماما بعد الاحتلال الأميركي الذي دمر البنى الارتكازية للاقتصاد والتعليم والصحة والكهرباء والمنظومة الأمنية، وأصبحت حياة المرأة في العراق جحيما لا يطاق، فهي الأرملة وزوجة المفقود وأم لأكثر من خمسة ملايين يتيم حسب إحصائيات المنظمات الإنسانية، وهي التي تمثل 51 بالمئة من أربعة ملايين مهجّر داخليا وخمسة ملايين لاجئ خارج العراق منذ عام 2003.

وتراجعت نسبة النساء المتعلمات في العراق بحيث أصبحت الأميات اليوم أكثر من 50 بالمئة، وتنازلت المرأة عن أبسط حقوقها الإنسانية لأجل حماية أطفالها من الخطف والقتل والاغتصاب وتدمير المدن الذي تقوده ميليشيات حكم المرجعيات والأحزاب الدينية التي نصبها الاحتلال الأميركي في العراق لإثارة الفتنة الطائفية بين أبناء الشعب الواحد مما يضمن الإبقاء على الوضع الفوضي والمدمر للبلاد”.

 

تقرير تشيلكوت

الوضع الصحي والبيئي والاجتماعي المأساوي، إلى جانب ما يعيشه العراق اليوم من أزمات سياسية، مردّه الحرب التي شنّتها الولايات المتحدة الأميركية على العراق سنة 2003، ودعمتها بريطانيا، رغم عدم توفر أسباب كافية تؤيّد قرار الحرب، وهو الأمر الذي أكّده مؤخرا تقرير اللجنة البريطانية، التي ترأسها السير جون تشيلكوت، الذي قال إن الحرب على العراق هي حرب عبثية.

وعن هذا التقرير، تقول العزاوي إن “استنتاجاته أكثر أهمية للبريطانيين والأميركيين من العراقيين لأننا لم نشك يوما أن احتلال العراق كان جريمة وتعدّيا على حقوق دولة وشعب. وبالنسبة إلينا كعراقيين فإن هذا التقرير لا قيمة له ما لم تتم معالجة الكوارث التي تمخضت عن احتلال العراق من شعور بالمرارة نتيجة قتل أكثر من مليون انسان بريء وتشريد عوائل وتهجير أكثر من 9 ملايين من العرب السنّة بتخطيط لتغيير التركيبة السكانية للعراق بالتعاون مع حكومة الاحتلال وميليشياتها الإيرانية وتدمير الخدمات الصحية والاقتصادية والتعليمية والاستحواذ على الثروة النفطية ومصادرة مستقبل العراق وحماية المجرمين الذين جلبهم الاحتلال على ظهر الدبابات والاستمرار بقصف المدنيين بحجة داعش، هذا التنظيم الذي ولد من رحم توحش وقتل وتعذيب العراقيين في أبوغريب وبوكا واستمرار هذه الجرائم من قبل حكومة الاحتلال الإيرانية المدعومة من أميركا وبريطانيا.

وتضيف العزاوي أن التقرير يؤكد ما كنا نقوله بأن ما تعرض له العراق من ظلم وطغيان وحصار اقتصادي قاس وحملة إعلامية ونفسية شرسة مبنية على ادعاءات كاذبة اشتركت فيها دول تدعي ريادتها الديمقراطية وحقوق الإنسان، كشف الوجه الحقيقي لأميركا ومن شارك معها في احتلال العراق من دول حلف الناتو.

وتساءلت مستنكرة “الحكومة البريطانية طالبت ليبيا بتعويضات بالمليارات من الدولارات بعد أكثر من 20 سنة من إسقاط الطائرة في لوكربي نتيجة وفاة 11 بريطانيا. فهل الإنسان في بريطانيا أغلى من قيمة الإنسان في العراق؟ الاعتراف بالخطأ لا قيمة له ما لم يقابله تحمل لمسؤولية الخراب الذي نجم عن هذا الخطأ”.

 

المصدر

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :133,413,842

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"