حقيقة الخلافات الروسية – الإيرانية حول #سوريا ومصير #بشار_الأسد

سامية عبدالله

بوادر خلافات روسية - إيرانية حول مستقبل سوريا ومصير بشار الأسد تطفو على السطح. فما هي الأسباب والدلالات، وما تأثيرها على العمليات القتالية الميدانية على الأرض، وهل تعد فرصة يجب على الدول الداعمة للمعارضة السورية المعتدلة اقتناصها للتعجيل برحيل الأسد؟

 

بحسب مراقبين، فهناك احتمالات عديدة لتفسير الخلاف الروسي - الإيراني قد يكون أساسها مخاوف إيران من مصير قواتها وميليشياتها بمرحلة ما بعد رحيل الأسد، وهي قضية خلافية وكانت أحد أسباب فشل مشاورات "فيينا"، ويبدو أن إيران تصعد ملف سوريا واليمن في آن واحد، لمقايضة السعودية عليهما معًا.

وقد تكون الخلافات الروسية - الإيرانية ظاهرية ومفتعلة ومجرد توزيع أدوار لقبول أي شخص تطرحه روسيا، باعتباره خياراً أقل خطورة من بقاء الأسد نفسه. كذلك تتحمل روسيا كلفة كبيرة باستمرار مشاركتها بالحرب مادياً وسياسياً، وبخاصة مع صمود المعارضة المعتدلة، وكلفة التخلي عن الحليف الخليجي الذي يتشارك مع روسيا بمصالح نفطية واقتصادية كبيرة.

احتمال آخر بأن تكون الولايات المتحدة تدخلت بشكل غير معلن لدى الطرفين الروسي والإيراني بشكل منفرد، لحلحلة الأزمة السورية، أو تحاول دفع إيران للتصعيد والتمسك بالأسد، ثم القيام بالعكس بدفع روسيا للتخلي عنه، ومن ثم اصطدام الطرفين.

 

إيران تهدد بأن الأسد "خطر أحمر"

قادة سياسيون وعسكريون إيرانيون كشفوا عن عمق الخلاف مع روسيا، والأكثر حساسية وخطورة نظرًا لمشاركته بالعمليات القتالية بسوريا، هو ما قاله القائد العام للحرس الثوري الإيراني، اللواء محمد علي جعفري، إن الروس لا يشتركون بموقف واحد مع طهران حيال الموقف من القضية السورية ونظام بشار الأسد، وكذلك الموقف من (حزب الله) اللبناني.

جاء ذلك خلال كلمة ألقاها جعفري، في ملتقى حمل عنوان "مناوئة أميركا بعد الاتفاق النووي مرحلة جديدة من المقارعة"، عقد أمس الاثنين بجامعة طهران، قال فيها: إن "على الجميع تحمل المسؤولية في مواجهة التهديدات المحدقة بالثورة الإسلامية"، على حد تعبيره.

ونقلت وكالة "مهر" الإيرانية شبه الرسمية عن جعفري قوله "جارتنا الشمالية (روسيا) تساعد أيضاً في سوريا، ولكنها غير سعيدة بالمقاومة الإسلامية، ولكن على أي حال فإنها تقدم المساعدات على أساس المصالح المشتركة، ولكن ليس من الواضح أن مواقف روسيا تتطابق مع إيران بشأن بشار الأسد".

أما وكالة "فارس" الإيرانية شبه الرسمية فنقلت عن جعفري قوله إن بلاده "لا ترى بديلاً للأسد، وتعتبره خطاً أحمر وتجاوزه ممنوع".

أما مساعد وزير الخارجية الإيراني حسين عبد اللهيان، فقال، الاثنين، إن بلاده "ستنسحب من محادثات السلام بشأن سوريا في فيينا إذا تبين أنها غير بناءة"، كما اعتبر أن مصير الرئيس السوري بشار الأسد يعد موضوعاً أساسياً وخطاً أحمر لإيران.

ونقلت وكالتا تسنيم والطلبة عن عبد اللهيان قوله إنه "في الجولة الأولى من المحادثات لعبت بعض الدول، خاصة السعودية، دورا سلبيا وغير بناء، وإيران لن تشارك إن لم تكن المحادثات مثمرة"، بحسب تعبيره.

وعن مصير الرئيس السوري أكد عبد اللهيان أن إصرار بعض الدول على تنحيه أمر مرفوض، إذ إن هذا الموضوع يعود إلى الشعب السوري، وهو الذي يحدد بنفسه مصيره دون تدخل الآخرين. مشيرا إلى تطابق وجهتي نظر إيران وروسيا بخصوص مصير الرئيس السوري، وأن دولًا أخرى تتبنى الطرح نفسه في الأزمة السورية، برغم تأكيد اللواء الجعفري عكس ذلك.

 

أزمة القوات الإيرانية

يعد توقيت رحيل الأسد شديد الأهمية بالنسبة لإيران، وضمان وضع قواتها العسكرية ومناطق نفوذها خط أحمر، وهو ما هددته بقوة تصريحات وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، في اجتماعات "فيينا" الجمعة الماضي، بأن "نقطتين عليهما خلاف: موعد ووسيلة رحيل بشار الأسد، والثانية موعد ووسيلة انسحاب القوات الأجنبية من سوريا، وبالذات القوات الإيرانية"، حيث جعل مصيرهما مرتبط بالآخر، فرحيل الأسد المبكر قد يجهض مكتسبات إيران، وبخاصة مع اشتراط رحيل قواتها المتغلغلة والنافذة بقوة في جميع مؤسسات الأسد.

ويعد انسحاب القوات الجوية الروسية، في حال التوصل لتفاهم حول الأسد مع الاحتفاظ بمناطق نفوذ وقواعد عسكرية، أسهل من انسحاب القوات الإيرانية والميليشيات الداعمة لها ومستشاريها، إلا أن كليهما يريد ضمان استمرار رجاله داخل سوريا، وتقسيمها بما يضمن استمرار الهيمنة العسكرية والسياسية عليها.

 

هياكل نظام الأسد وشخص بشار

هل تتخلى روسيا عن الأسد وعن إيران وتقبل برحيله وما المقابل؟، تساؤلات طرحها ما قالته دوائر عسكرية إسرائيلية، من أن روسيا تجري اتصالات مكثفة مع جهات داخل سوريا، بهدف الاستغناء عن بشار الأسد والعثور على شخصية بديلة يمكن أن تقود النظام الحالي بدلاً عنه.

ونقل موقع صحيفة "يديعوت أحرنوت"، مساء الاثنين، عن الدوائر قولها إن الروس أبدوا اهتماما خاصا بالاتصال بمدير المخابرات السورية علي مملوك، مرجحة أن يكون الهدف من هذه المباحثات إقناعه بتولي قيادة سوريا في حال تم إجبار الأسد على التنازل عن الحكم. ونوهت إلى أن خلافة مملوك العلوي للأسد تضمن ولاء الطائفة العلوية في سوريا. وشددت الدوائر على أن الروس يرون في مملوك "خليفة جدّيا" للأسد، وهذا ما يدفعهم لمواصلة اللقاءات معه، مشيرة إلى أن روسيا معنية بالحفاظ على نظام الأسد ومؤسساته، ولا يعنيها شخصه.

ومن ثم لا يمكن اعتبار التوجه الروسي لتنحية الأسد بمثابة خلاف جوهري مع إيران، لأنه يبحث عن شخصية موازية من قلب النظام قد تكون أسوأ من بشار نفسه، ما قد يؤشر على أن الخلافات بينهما مجرد توزيع وتبادل أدوار لرفع كلفة تنحية الأسد، والقبول بشخص يضمن استمرار جميع هياكل الأسد السياسية والعسكرية.

وأوضحت الصحيفة أن الروس يصرون على وجود مرحلة انتقالية قبل إنهاء الأسد لمهامه، من أجل تهيئة الظروف أمام بقاء مؤسسات نظامه على حالها وعدم المساس بها. وأشارت إلى أن الروس يهدفون من تسديد ضربات قوية لقوى المعارضة السورية المسلحة، إلى إقناعها بالعودة لطاولة المفاوضات وفق الشروط الروسية التي تعني بقاء نظام الأسد بشكل شرعي، ولو على جزء من سوريا يضم شريط الساحل ودمشق.

وترى الدوائر أنه على الرغم من حرص روسيا على الحفاظ على نظام الأسد، فإنها غير معنية بالتضحية بجنودها في سبيل ذلك، وهو ما جعلها تعتمد على الإيرانيين وعناصر حزب الله.

 

تكلفة الحملة الروسية

المثير للقلق أن مضمون الأهداف الروسية والإيرانية مازال واحدًا ولم يتغير حتى الآن كثيرا، وهو الحفاظ على هياكل دولة الأسد ما بعد تنحية شخصه، فبحسب خبراء، تسعى موسكو إلى حملة مدتها من 3 إلى 4 أشهر لإنجاز مهمات محددة حتى لا تقع بالمستنقع الروسي، فكلفتها المادية، كبيرة وسط تشكيك في قدرة موسكو على حمل أعبائها لفترة طويلة، لاسيما في ظل الأزمة الاقتصادية واستمرار الأزمة الأوكرانية.

وقالت نائبة رئيس شركة ستراتفورد الأميركية المتخصصة بالاستخبارات الجيوسياسية، ريفا بهالا إن "موسكو لن تكون قادرة على تحمل النفقات لأكثر من أربعة أشهر، حيث تبلغ تكلفة الغارات الجوية والطلعات غير القتالية نحو مليوني دولار يومياً على الأقل".

وأوضحت في مقابلة لقناة "سي.أن.أن"، أن إطلاق صواريخ كروز من السفن الروسية في بحر قزوين إلى أهداف في سوريا كان عرضاً مكلفاً للقوة، إذ تبلغ تكلفة إطلاق الصاروخ 30 مليون دولار على الأقل، وبحسب ديمتري بسكوف السكرتير الصحفي للرئيس الروسي، فإن موسكو تتحمل وحدها تكاليف الحملة العسكرية في سوريا بالكامل.

 

هزيمة الحرس الثوري وإضعاف النظام

الكلفة المالية ليست العبء الوحيد على روسيا فللحرب كلفة ميدانية يبدو أن إيران ليست الرابح فيها، حيث كشف موقع "ديبكا" الاستخباري الصهيوني، تفاصيل "معركة السفيرة" التي تلقت فيها قوات النخبة من الحرس الثوري الإيراني "أكبر هزيمة مذلة منذ 36 عامًا".

وفي التفاصيل قال الموقع إن المعركة التي جرت بين قوات الحرس الثوري الإيراني بغطاء جوّي روسي، ومشاركة من ميليشيات الأسد وقوات حزب الله في منطقة "السفيرة" التي تبعد 20  كيلومترًا جنوبي حلب، كان الهدف منها اختراق خطوط دفاع جبهة النصرة وتنظيم الدولة، والسيطرة على مدينة حلب لتكون نقطة تحول كبيرة في المعركة الدائرة بسوريا لصالح نظام بشار الأسد، ولكن النتيجة جاءت مغايرة، حيث تلقى الحرس الثوري وحلفاؤه هزيمة مذلة.

من ناحية أخرى استعادت قوات تابعة للمعارضة السورية، الاثنين، سيطرتها على قرية  "غمام" الاستراتيجية في جبل التركمان بريف اللاذقية، في هجوم مضاد شنه الثوار على القرية بعد أن سيطرت عليها قوات النظام أمس.

وقالت الفرقة الساحلية الثانية عبر حساباتها في مواقع التواصل الاجتماعي، إنه تم استعادة السيطرة على قرية  "غمام" بشكل كامل، وتمشيط جميع النقاط التي كانت قوات النظام تقدمت عليها يوم أمس، ومقتل العشرات من قوات النظام والميليشيات المقاتلة إلى جانبه.

 

الموقف الخليجي

الحرب مكلفة ماديا وميدانيا ما يجعل فرص الحل السياسي أكبر ومرونة أطرافه كذلك، خاصة أن استمرار تمسك روسيا ببشار يجعلها تخسر علاقتها الخليجية، بما يهدد بحرب نفطية جديد، وبخاصة مع السعودية.

ويعد فوز حزب العدالة والتنمية التركي بالانتخابات البرلمانية ظهيرًا سياسيًا وعسكريًا، وعمقًا استراتيجيًا لدول الخليج، في مواجهة حلف "موسكو - طهران" وبخاصة الآن، فالفرصة سانحة لمرونة من جهة روسيا بشأن الأسد، ويرفع دعم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، للحلف السني الخليجي الذي تؤيده قطر وتركيا من سقفهم التفاوضي، ويعزز قدرتهم على التحرك العسكري والاستراتيجي إن أرادت، ويعد تأكيدهم استمرار تسليح المعارضة السورية المعتدلة بأسلحة نوعية بذاته، عامل ضغط على الدب الروسي وحملته الجوية.                 

وتظل محاولة إيران ربط الملف السوري بالملف اليمني أكبر عائق لتحقيق تسوية قريبة، ولكن يشكل الدعم التركي للرياض بملف اليمن عامل ضغط أيضا في مواجهة إيران.

 

المصدر

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :133,412,553

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"