أيها الوطن المسافر في أعماق روحي ووجداني، كيف يمكنني أن أصف لوعتي واشتياقي ولهفتي التي ملأت أركان روحي، ومسامات عقلي وفكري؟!
لا تظن يا وطني الجريح - حينما اضطررت للرحيل بعيداً عن حضنك الدافئ الآمن، وربوعك الخضراء، وأرضك النقية - إنني زاهد بعشقك وحبك!
لكنها الأيام والأقدار تلعب بالإنسان كما تلعب الرياح بورق الأشجار عند هبوبها، وعصفها!
ضياع، وحنين وغربة، وآلاف الأميال بيننا، وحدود ملغمة، وعصابات منظمة، وجواز سفر صار بحد ذاته تهمة، ورغم كل هذه المطبّات والعوائق تبقى يا وطني نبض قلوبنا، ونور عيوننا، ومهجة أرواحنا، والخيمة التي تسعنا جميعاً!
حاول شياطين الأنس دفعنا لضفة الموت والقتل والخراب، والعبث بك كما يعبثون، واتهمونا – بسبب حبك- بالإرهاب لكننا صمدنا، لأننا تعلمنا منك الثبات والحزم!
هؤلاء الأشرار لا يعرفون منْ أنت بالنسبة لنا؟! وأنا لا ألومهم، فهم – ربما- ينظرون إليك على أنك البقرة الحلوب التي تدر عليهم مليارات الدولارات!
وهم لا يدرون أنك الأم والأب والأخ والأخت، والحبيبة والصديق، وكل القيم والمبادئ، وأنت الكون الشاسع من أقصاه إلى أقصاه!
يا وطني أنت بالنسبة لنا نبع للحنان والحب والنقاء، ولا يمكن أن نتنعم بحياتنا بعيداً عن ترابك الطاهر!
رغم التفجيرات، ورغم الخراب، ورغم الاغتيالات والاعتقالات والإرهاب، ورغم امتزاج مياه دجلة والفرات بدماء الأبرياء من أهلنا، ورغم كل المآسي ستبقى يا عراقنا الحبيب أجمل وأطيب وأروع الأوطان! وستبقى روضة للحب جمعتنا - وستجمعنا ثانية- في يوم من الأيام!
متى سيكون موسم اللقاء، يا وطني الساكن في الأضلاع؟!
متى ستكون لحظات العناق يا بلدي السليب؟!
متى ستندمل جروحنا بتراب أرضك النقية؟!
متى ستغسل دموع الفرح همومنا؟!
أيها القمر الساطع في هذه الليلة الهادئة: أحمل أشواقي لتلك الديار، لتلك العيون الكريمة، لتلك الأرواح النقية، لتلك المياه العذبة، لتلك البساتين البهية، لتلك الذكريات التي توارت في قبور الظلم والغربة والاستبداد!
احملها – أيها القمر- ولا تبخل عليّ، فما لي حيلة إلا سبيلك لعلي أستعير عيونك لأرى بلدي كما تراه الآن!
أيها الوطن الجريح الحبيب: اشتياقي إليك أكثر من اشتياق الأرض الجدباء لمياه الأمطار!
وأقوى من حلم العليل بالعافية!
وأشد من مصارعة الغريق لأمواج البحر العاتية!
وأشد من لهفة الأسير للحرية!
أيها الوطن البعيد القريب، الحبيب القاسي، يا جرحي وبلسمي، يا تاجاً يزين هاماتنا، يا زينة نفاخر بها الدنيا، يا روحاً تملأ أجسادنا وعقولنا حباً وخيراً وأملاً، ستبقى عيناك بحران من الأمل، ورموشهما قوارب النجاة إلى حيث اللقاء المرتقب في يوم ما في هذا الزمن الغريب.
يا وطني: دقات الساعة تؤرقني، ترهقني، تقلقني، تخبرني أن السنون تجري من غير أن نلتقي، فهل هذا قدرنا أن لا نلتقي؟!
أم أن الأيام ستجمعنا على ثراك في يوم من الأيام، لا أدري لكنني ما زلت أحلم باللقاء لعله يكون غداً؟!