ليس سهلا عليّ كتابة هذه الدقائق الثلاث والنصف للحديث على الراديو. كان صمتي لعام ونصف إجباريا ، فقد كنت حينها في بريطانيا ولم أكن هنا في تراڤيس. غير أنه كانت هناك أسباب أخرى لهذا الصمت .
أنا رجل صريح و منفتح ، 80 بالمائة من كلامي قائم على تجربتي الشخصية، على سخريتي من حياتي، وعندما كنت أعزب لم تكن هناك مشكلة على الإطلاق ، كنت قادرا على أن أكون صادقا بشكل مفرط حول كل شيء يخص حياتي . إلا أنني حين تزوجت، أصبحت هناك قيود. قال أحدهم مرة "الكتاب ينبغي عليهم عدم الزواج" ، هناك مصداقية كبيرة لهذه المقولة. لا يمكنك الكشف عن مشاعرك العميقة وشكوكك عندما تكون لديك زوجة قد تحتج على كلامك بقوة .
لم أستطع أبدا نسيان ذلك المشهد في مسرحية آرثر ميللر عندما زوجة البطل في المسرحية- أعتقد مارلين مونرو كزوجة وآرثر ميللر هو البطل- وجدت الزوجة مذكرات الكاتب وقرأت ذلك السطر المكتوب "لم أتمكن أبدا من أن أحب أحدا بإخلاص" أصابتها الصدمة والإنكسار . البطل (آرثر ميللر) أوضح فيما بعد بأنه لم يكن يعني حقاً ما كتب ، هو في الحقيقة كتب ذلك ليتأمل هذه الفكرة ، لقد كان ذلك مجرد اختبار للفكرة. لا توجد فكرة صحيحة بشكل كامل ، كل الأفكار تحمل نسبة معينة من الحقيقة. مجرد تجربة كاتب. ولكن هل هذا صحيح؟ هل يمكن أن أكون أنا أيضا لم أحب أحدا في حياتي؟
ما تقدم مجرد مثال واحد في حياتنا الطويلة التي نتساءل فيها عن كل شيء ، وعلى كل حال ، أنا مثلا كثير التساؤل .
في السنتين اللتين كنت فيهما متزوجا تساءلت كثيرا ما إذا كان ينبغي لي أن أتزوج؟ بعد ذلك عشت وحيدا لـ 25 عاما وقد أحببت العيش وحيدا . لقد أسعدني فيما مضى حقيقة أنني كنت متزوجا ، وبكل تأكيد أحببت زوجتي حينها حتى أنستني حياة الوحدة ، وقد كنت أعتمد عليها في كل شيء .
غير أنني لو كنت قد كتبت هذا الكلام في أيام زواجي، لو حفرت عميقا في مشاعري بهذا الموضوع حينها، لكنت كتبت كلمات كثيرة لأندم عليها لاحقا . أو لكنت كتبت كلاما مبتورا لأنني ببساطة كنت رجلا متزوجاً .
من الواضح أن هناك الكثير مما يمكننا الكتابة عنه دون أن نقحم حياتنا الشخصية . أنا مثلا كتبت ما لا يُعد ولا يُحصى عن السيارات والإشارات المرورية . لقد كتبت في الماضي ، وسأكتب في المستقبل ، ما لا حصر له من الكلام عن الأفكار والكتب التي تصادفني . غير أن كوني متزوجاً كان يؤثر على ما يمكنني الإفصاح به ، ليس فقط لأن هناك أشياء لا يمكنني التطرق إليها ، أو لا يليق قولها ، ولكن لأن الكثير من أفكاري كانت تنتقل إلى زوجتي بدلا من المستمعين في الراديو .
هناك الكثير من الصحة في أن الكتاب لا ينبغي لهم أن يتزوجوا، عليهم الزواج من مستمعيهم، ينبغي أن لا يكون هناك مَن يتكلمون معه سوى مستمعيهم ، عليهم ممارسة الحب مع المستمعين ولا يبحثون عنه في أي مكان آخر .
في الحقيقة أنا لا أصلح للحديث ، لأنني أمارس الإصغاء أكثر من الكلام . أو كما أدركت منذ زمن بعيد ، وهو أنني أفضل أن أتوجه بالكلام إلى الناس حين لا يكون أحد منهم موجودا . ذلك هو الكاتب ، إنه كاتب وليس متكلما .