تأكيداً لما نشرته وجهات نظر، القضاء اللبناني يحمّل مواطنين روس وزر انفجار بيروت

مصطفى كامل

قبل ثلاثة أيام نشرنا، في صحيفة وجهات نظر، والرابط في أسفل المقال، خبراً عن مساعٍ أميركية مع أحد الأطراف اللبنانية لتحويل مسار التحقيقات الجنائية في تفجير بيروت المروّع الذي حدث في الرابع من آب/ أغسطس الفائت باتجاه آخر غير متوقع لعدم اتساقه مع المنطق.

 

وفي ذلك الخبر كشفنا عن جهود تقودها سفارة الولايات المتحدة في لبنان مع رئيس البرلمان وزعيم حركة أمل، نبيه بري، لأن تركّز ‏التحقيقات في إنفجار مرفأ بيروت على فرضية" اليد الروسية" في ‏الانفجار المروّع الذي قتل نحو ‏200 شخص، من واقع ان مالك السفينة التي نقلت شحنة ‏نترات الامونيوم رجل أعمال روسي وأن ‏بحارتها روس‎.‎

ونقلنا في الخبر عن مصدر دبلوماسي عربي مهم في العاصمة الروسية أن ممثلاً عن السفارة الأميركية في ‏بيروت، ‏اسمه هاري فورد، التقى بنبيه بري، وأكد له أن التلميح بالأثر الروسي في قضية الانفجار، سيساعد على تخفيف ‏العقوبات الأميركية ‏على شخصيات وشركات لبنانية تابعة ‏لحزب الله، على وفق شروط معينة، مع استعداد واشنطن أن تأخذ على عاتقها الأعمال ‏الأساسية ‏لإعادة بناء ما دمّره التفجير في ميناء بيروت على شرط عدم السماح للشركات الروسية ‏‏والصينية والتركية في أعمال إعادة البناء.

وبالفعل، فلم تمض سوى 48 ساعة حتى قرر المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت إصدار مذكرة توقيف بحق مالك سفينة "روسوس" التي نقلت مادة نترات الأمونيوم التي تسببت بالانفجار المدمّر، الروسي إيغور غريتشوشكين، وقبطانها، الروسي بوريس بروكوشيف، وأحال الأوراق إلى النيابة العامة التمييزية التي أحالت مذكرتي التوقيف إلى الشرطة الدولية (الإنتربول) وطلبت إصدار تعميم دولي بالقبض عليهما.

لا أريد استباق الأمور ولا التدخل في مسارها، ولكنني أعتقد أن المحقق العدلي تصرف بشكل غير منطقي في هذه القضية، فالمنطق يقول بوجوب أن يُلقى القبض على من خزّن هذه المادة المدمرة في مستودع بائس لا يتمتع بشروط الحماية المطلوبة في التعامل مع مواد خطرة كهذه، وليس على ناقلها، فالشحنة لم تكن قادمة إلى لبنان، ولا علاقة لها بلبنان بأي حال من الأحوال، فقد كان وقوفها في مرفأ بيروت على سبيل الترانزيت، كما يؤكد موقع "مارين ترافيك" لمراقبة حركة السفن، حيث وصلت السفينة، التي كانت ترفع علم مولدوفيا، في 20 تشرين الأول/ نوفمبر 2013 إلى بيروت، وبقيت هناك، بينما يؤكد موقع شيب أريستيد، وهو شبكة تتعامل مع الدعاوى القانونية في قطاع الشحن، في تقرير له نشر في عام 2015 إنه بعد التفتيش، مُنعت السفينة من الإبحار ثم تخلى عنها مالكوها بعد وقت قصير، مما دفع دائنين مختلفين للتقدم بدعاوى قانونية.

إن الذين يجب أن يحاسبوا، بالدرجة الأساس، هم أولئك الذين خزّنوا 2750 طناً من نترات الأمونيوم، بالغة الخطورة، والتي تدخل في صناعة القنابل، في ميناء يبعد بضع مئات من الأمتار عن العمران في قلب بيروت، طيلة ست سنوات دون إجراءات سلامة بحدّها الدنى، وهو مأكدته التحقيقات الأولية اللبنانية التي أشارت إلى أن سنوات من التراخي والإهمال هي السبب في تخزين المادة شديدة الانفجار في ميناء بيروت، وأن مسألة سلامة التخزين عُرضت على عدة لجان وقضاة و"ما انعمل شيء" لإصدار أمر بنقل هذه المادة شديدة القابلية للاشتعال أو التخلص منها.

وتفيد وثيقتان بأن الجمارك اللبنانية طلبت من السلطة القضائية في عامي 2016 و2017 أن تطلب من "المؤسسات البحرية المعنية" إعادة تصدير الشحنة التي نُقلت من سفينة الشحن (روسوس) وأُودعت بالمستودع 12، لضمان سلامة الميناء أو الموافقة على بيعها، وذكرت إحدى الوثيقتين طلبات مشابهة في عامي 2014 و2015.

وتعزيزاً لذلك، فقد قال قبطان "روسوس" في مقابلة مع  نيويورك تايمز إنه تفاجأ من تأخر الانفجار كل هذا الوقت، وليس من حصوله، مشيراً إلى خطأ السلطات اللبنانية عندما أصرَّت على حجر السفينة والاحتفاظ بالشحنة في الميناء، مفيداً أن همّ السلطات اللبنانية، بعد احتجازه وثلاثة من أفراد الطاقم الأوكراني في السفينة، كان أخذ الأموال المستحقة على السفينة دون الانتباه للشحنة المميتة.

إنني لا أسمح لنفسي بالتدخل في قرارات القضاء أو مسار التحقيقات، فليس هذا شأني، وليس من واجباتي تبرئة متهم أو الدفع باتجاه تكوين رأي عام بذلك، ولكن منطق العقل والسياق الطبيعي للأحداث يفترضان أن يُوجه الاتهام، أولاً، إلى من خزّن هذه المواد دون اعتبارات السلامة اللازمة، وإلى المسؤول عن أمن الميناء، بل عن كل المنافذ البحرية والجوية والبرية في لبنان، وهو الذي احتل بيروت يوم السابع من أيار/ مايو 2008، والذي ألقي القبض على عديد من عناصره حول العالم، وهم يحوزون كميات من نيترات الأمونيوم بغية استخدامها لأغراض إرهابية.

في ذات السياق، يبدو منسجماً وطبيعياً ومفهوماً اعتبارنا بري واجهة منمّقة لحزب الله، وأن هذا هو سر الإصرار على الإبقاء عليه ‏طيلة السنوات الماضية، كونه (أسيراً) لدى الحزب الذي نصّب عليه جاسوساً وحارساً هو الوزير الدائم علي حسن خليل (رجل الحزب وإيران داخل حركة أمل).

أما ما أعلناه ضمن نفس التقرير، ورابطه في أدناه، حول التخادم بين الأميركان وبرّي، فقد كشفت عنه الأحداث خلال 48 ساعة أيضاً، بإعلان رئيس مجلس النواب اللبناني، إنه جرى التوصل إلى اتفاق إطار لبدء محادثات غير مباشرة بين لبنان و (إسرائيل) لترسيم الحدود البرية والبحرية جنوباً، وبذلك انتهى دور بري في هذا الملف بعدَ عقدٍ من التفاوض مع الأميركيين.

علماً أننا كنا قد أشرنا إلى إمكانية أن نفهم، من خلال معلومة لقاء الممثل الدبلوماسي الأميركي مع بري، حجم التخادم بين بري والأميركان، وقلنا بوضوح إننا قد نرى في الأيام القادمة نتائج ‏هذا التخادم، وهذا ما حصل فعلا.


ملاحظة:

نشرنا خبر اللقاء بين ممثل السفارة الأميركية ونبيه بري على هذا الرابط


http://www.wijhatnadhar.org/article.php?id=21478

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :133,411,533

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"