وثّق مرصد حقوقي عراقي وفاة (49) معتقلا، معظمهم توفوا تحت التعذيب داخل السجون الحكومية في العراق خلال النصف الأول من العام الجاري 2020.
وقال قسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين، في تقرير له صدر اليوم الخميس في بغداد، إنه توفي جراء التعذيب 49 معتقلاً في السجون الحكومية خلال النصف الأول من العام 2020؛ بمعدل بلغ وفاة واحدة كل ثلاثة أيام. وأكد التقرير أنه يعيش عشرات الآلاف من المعتقلين في السجون الحكومية المعلنة في العراق ظروفًا تفتقر إلى الحد الأدنى من الإنسانية. وأوضح أنه يرد بنسق شبه يومي إلى بريد قسم حقوق الانسان في هيئة علماء المسلمين شكوى أو أكثر من ذوي معتقلين تؤكد ضلوع إدارات تلك السجون بانتهاكات صارخة وجرائم وحشية بحق أبنائهم؛ أدناها عزلهم عن العالم الخارجي ومنعهم من الاتصال بذويهم وإنكار اعتقالهم أو معرفتهم بالاعتقال وعدم تمكن أهالي المعتقلين من معرفة مكان أو ظروف احتجازهم الأمر الذي يزيد من معاناة الضحايا وذويهم في الوقت نفسه. وفيما يأتي نص التقرير..
وفاة معتقل كل ثلاثة أيام في سجون العراق
يعيش عشرات الآلاف من المعتقلين في السجون الحكومية المعلنة في العراق ظروفًا تفتقر إلى الحد الأدنى من الإنسانية.
ويرد بنسق شبه يومي إلى بريد قسم حقوق الانسان في هيئة علماء المسلمين شكوى أو أكثر من ذوي معتقلين تؤكد ضلوع إدارات تلك السجون بانتهاكات صارخة وجرائم وحشية بحق أبنائهم؛ أدناها عزلهم عن العالم الخارجي ومنعهم من الاتصال بذويهم وإنكار اعتقالهم أو معرفتهم بالاعتقال وعدم تمكن أهالي المعتقلين من معرفة مكان أو ظروف احتجازهم الأمر الذي يزيد من معاناة الضحايا وذويهم في الوقت نفسه.
ونذكر هنا إحدى الشكاوى الواردة إلى قسم حقوق الانسان بهذا الشأن التي كانت من ذوي المعتقل (فراس محمد جاسم) 27 عامًا، من أهالي الموصل، متزوج ولديه طفلان، الذي تم اعتقاله في 16/7/2018، بذريعة تشابه الأسماء عند سيطرة (السفينة) قرب القيّارة في طريق عودته إلى الموصل قادمًا من مدينة النجف حيث كان يعمل، ليختفي بعدها وتنقطع أخباره بعد ذلك اليوم إلى أن أخبر أحد الذين تم إطلاق سراحهم من سجن الفيصلية بمحافظة نينوى في 23/6/2020، ذويه بأن ابنكم (فراس) محتجز في ذلك المعتقل منذ نحو سنتين وقد حُكم عليه بالسجن مدة 15 سنة، ومن جانبهم خوّل ذوو المعتقل قسم حقوق الإنسان في الهيئة ليقدم شكوى بشأن حالته، وبالفعل تم تقديم القضية إلى اللجنة الأممية الخاصة للتدخل في سبيل تحديد مكان احتجازه وتسهيل مواجهته من قبل ذويه والعمل على إعادة محاكمته، بحسب اللائحة المقدمة إلى اللجنة. ومنذ الأول من كانون الثاني/ يناير 2020 وحتى الثلاثين من حزيران/ يونيو 2020؛ وثّق قسم حقوق الإنسان في الهيئة وفاة (49) سجينًا، معظمهم توفوا تحت التعذيب داخل عدد من السجون الحكومية المعلنة في العراق، بينهم محتجزون جرى على اعتقالهم أكثر من 10 سنوات، وأكد ذوو الضحايا لمندوبي القسم أن روايات إدارات السجون عن موت أبنائهم غير مقنعة أبدًا، إذ إن أجسادهم تحمل علامات ضرب شديد ربما أدى إلى موتهم.
وكانت أسباب وفاتهم على النحو التالي:
(34) معتقلًا قضوا تحت التعذيب أو من جرائه، منهم معتقل لم يمر على اعتقاله سوى يوم واحد، وبينهم ما لا يقل عن (12) تم إعدامهم خارج القانون بالتواطؤ مع إدارات السجون بعد قرار اخلاء السبيل بمدد مختلفة تراوحت من يومين إلى نحو شهر، و(6) آخرون توفوا من جرّاء مضاعفات الإصابة بفايروس كورونا المستجد، والباقي كانت وفاتهم بسبب الإهمال الصحي المتعمد وسياسة التجويع المتبعة في تلك السجون، ونشير هنا إلى أن جميع الضحايا هم من أهالي مناطق حزام العاصمة بغداد ومن محافظات الانبار وديالى ونينوى وصلاح الدين.
وبهذا الصدد أكد الأمين العام المساعد في هيئة علماء المسلمين، الشيخ الدكتور يحيى الطائي، في حلقة خاصة بهذا الشأن بثّتها قناة الرافدين الفضائية بتأريخ 4/6/2020؛ أن دولة الميليشيات وحكوماتها المتعاقبة لا تتعامل مع العراقيين على أساس المواطنة بل تتعامل معهم على أساس طائفي مقيت. وفي شهر حزيران الماضي؛ حصل قسم حقوق الإنسان في الهيئة على معلومات مدعومة بأدلة قوية تفيد بإعدام (9) معتقلين خارج القانون داخل سجن الناصرية المركزي بمحافظة ذي قار جنوب البلاد، وكان من بين المعتقلين الـ9 الذين جرت تصفيتهم جسدياً خلال الأيام الماضية في سجن الناصرية المركزي، السجين (مشتاق أحمد زيدان التميمي) من أهالي يثرب بمحافظة صلاح الدين، وبدت عليه آثار تعذيب وكانت رأسه مهشمة، بحسب ذويه، ولم يُذكر العرض أو الحالة المؤدية لمفارقة الحياة مباشرة في شهادة الوفاة، وأفاد ذوو المغدور: أخبرنا مدير سجن الناصرية أن السجين (مشتاق) وصل ميتًا من سجن (تسفيرات الرصافة) في بغداد حيث أُرسل إلى هناك قبل أيام بطلب من أحد السياسيين المتنفذين، بحسب المدير، لكن مصدراً من داخل سجن الناصرية أكد أنه شهِد وفاة المغدور متأثرًا بـالتعذيب الشديد الذي تعرّض له.
وأفادت عائلة السجين مشتاق بأن هوية الأحوال المدنية لإبنهم المغدور بقيت في قسم الأمانات بالسجن ولم يذهبوا لتسلمها خوفًا من بطش ميليشيا حزب الله التي تتخذ من إحدى مباني السجن مقرًا لها، بحسب ما أخبرهم أحد منتسبي السجن الذي أكد أن فصيل (أبو الفضل العباس) التابع لكتائب حزب الله يسيطر على السجن بالكامل ولديه مقر خاص يقوم فيه بتعذيب وتصفية السجناء الذين ترد أسماؤهم من مقرات الكتائب المنتشرة في أنحاء العراق ولاسيّما في العاصمة بغداد، وهذا ما حصل مع السجين (مشتاق أحمد زيدان) قبل أيام.
وأضاف المنتسب في سجن الناصرية: في أحيان أخرى يقوم عناصر فصيل (أبو الفضل العباس) باستدعاء سجناء بشكل عشوائي إلى مقر الفصيل المذكور داخل السجن، ويخضعونهم لشتى أساليب التعذيب المنتهية بالتصفية الجسدية للمغدورين، كما حدث مع سبعة سجناء تم اغتيالهم في الأسبوع الأول من شهر حزيران الماضي، بحسب المنتسب. ومنذ مطلع العام الحالي؛ سجّل قسم حقوق الإنسان وفاة (37) معتقلًا سجن الناصرية المركزي المعروف أيضًا بـ(سجن الحوت)، في ارتفاع ملحوظ في أعداد النزلاء المتوفين من جرّاء التعذيب أو في ظروف غامضة. وقال ذوو سجين آخر تمت تصفيته جسديًا في سجن الناصرية المركزي: قبل أكثر من سنة؛ حكم القاضي بإطلاق سراح ابننا، وبدلًا من تنفيذ قرار الإفراج تم إخضاعه للتعذيب الشديد بشكل متكرر داخل السجن لأشهر حتى فارق الحياة متأثرًا بإصاباته التي عانى منها جرّاء التعذيب في كانون أول/ديسمبر الماضي.
وأضاف ذوو السجين المغدور: في الشهر الماضي؛ أخبرتنا إدارة السجن بوفاة ابننا وتم إيداع جثته في ثلاجة الموتى بمستشفى ذي قار العام، وذهبنا لاستلام الجثة لكننا لم نتمكن من التعرّف عليه لأن ملامح الوجه مَمْحوَّة تمامًا؛ فرفضنا الاستلام لعدم تمكننا من التعرّف عليه؛ فسألنا أحدهم: هل توجد علامة فارقة تستطيعون من خلالها تمييز جثة ابنكم؟ فتعرفنا عليه من خلال الأصبع الصغير المبتور في قدمه، وتسلمنا الجثة. إن تسجيل هذا الارتفاع المرعب في معدلات الوفيات خلال النصف الأول من العام الجاري يشكل زيادة كبيرة في نسب الوفيات التي تفوق نسبتها من السنين القليلة الماضية؛ الأمر الذي يؤكد منهجية القتل خارج القانون للمعتقلين في سجون العراق، وينذر بأيام صعبة جدًا ينتظرها آلاف المعتقلين داخل تلك السجون التي تسيطر على معظمها ميليشيات وعصابات تذيقهم سوء العذاب وتتلاعب بمصيرهم بدوافع مختلفة أكبرها الانتقام منهم، والحصيلة المروعة للضحايا في السجون تدلل على ذلك. وقدم مصدر أمني حكومي إلى قسم حقوق الإنسان في الهيئة معلومات تفيد بوفاة المعتقل (سلام خلف ابراهيم) في سجن التسفيرات القريب من ملعب الشعب وسط بغداد، بتأريخ 23/6/2020، من جرّاء الإهمال الطبي المتعمد لمضاعفات إصابته بڤيروس كورونا المستجد، مؤكدًا أن إدارة السجن تتكتم على الخبر وترفض اتخاذ التدابير الوقائية اللازمة لحماية السجناء الذين أصبحت إصابتهم شبه حتمية. ويقبع خلف أسوار سجن التسفيرات في العاصمة بغداد الآلاف من المغيبين والمختفين قسرًا في العراق الذين تنفي السلطات الحكومية علمها باحتجازهم، وترفض تزويد لجنة الاختفاء القسري الأممية أي معلومات بشأن تحديد مكان وجودهم والكشف عن مصيرهم، متحدية عشرات النداءات والمناشدات الدولية والمحلية للإفراج عن السجناء في ظل جائحة كورونا.
وقال شقيق أحد السجناء الآخرين الذين قضوا تحت التعذيب: عندما ذهبت لاستلام جثة أخي من دائرة الطب العدلي في منطقة اليرموك ببغداد؛ اضطررنا إلى السير على أكوام من الجثث المتروكة في المكان التي تقدر أعدادها بالمئات والتي تعود إلى أشخاص يبدو أنهم فارقوا الحياة من جرّاء التعذيب، بينها جثث مهشمة الرأس وأخرى متفحمة ومقطعة الأطراف.
من جانبه قال الدكتور أيمن العاني مسؤول قسم حقوق الانسان في الهيئة "إن الزيادة الكبيرة في عدد السجناء المتوفين تحت التعذيب داخل المعتقلات الحكومية المعلنة في العراق دليل اخر على أن العنف الدموي سياسة منتهجة من قبل إدارات تلك المعتقلات في تعاملها مع المعتقلين، وإن عدم موافاة دوائر الصحة المعنية ذوي المتوفين بتقرير الطب الشرعي الذي يبيّن سبب الوفاة يجعل تلك الدوائر متهمة بالاشتراك في الجريمة". وقد وصفت هيئة علماء المسلمين في بيانها المرقم (1430) السجون الحكومية المعلنة في العراق بـ(مسالخ بشرية) يتعرض فيها المعتقلون لمخاطر جمّة، فضلا عن مخاطر التفشي الكبير لوباء كورونا في البلاد عامة والسجون خاصة، ولاسيّما أن الغالبية العظمى من هؤلاء المعتقلين قد جرى اعتقالهم بتهم كيدية وحوكموا محاكمات غير عادلة بدوافع سياسة وثأرية واضحة، مؤكدة أن ما يجري من حالات قتل غير معلنة لمعتقلين إنما يأتي في إطار التعامل بروح الانتقام من القائمين على هذه السجون ضد المعتقلين. ويحمّل قسم حقوق الإنسان في الهيئة وزارة العدل الحالية وإدارات السجون في العراق المسؤولية بشأن حوادث اغتيال المعتقلين، ويطالب المنظمات الإنسانية الدولية والأمم المتحدة، بتوفير الحماية لجميع القابعين في السجون من عمليات التصفية الجسدية المتواصلة بطرق تعسفية شتى، ومتابعة ملابسات تلك الحوادث، وقدّم القسم بلاغات عاجلة في الحالات الموثقة إلى اللجنة الخاصة المعنية بحالات الإعدام خارج نطاق القضاء أو بحالات الإعدام التعسفي في المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وحثها في سبيل إجراء تحقيقات حاسمة تشخِّص هوية المرتكبين وتضمن محاكمتهم ومعاقبتهم، وتنصف الضحايا وذويهم قانونياً.