عين الرسام ليست مرآة

فاروق يوسف

هناك فرق ما بين أن يرى المرء صورته وبين أن يرى نفسه. ذلك الفرق يمكن تبينه في ما بين الصورة الفوتوغرافية واللوحة المرسومة. الأولى تظهرنا كما نبدو واقعيا، أما الثانية فإنها تفصح عمّا نخفيه ونعتبره جزءا من أسرارنا الدفينة.

لن يكون الشبه مشكلة بالنسبة إلى الرسام الحقيقي الذي يبحث عن مواقع الألم والمسرّة بحثا عن القوة التعبيرية الكامنة في الوجه. إن رسمك المصري جورج بهجوري وهو غالبا ما يفعل في كل مكان يصل إليه مع مَن يلتقيه ويحبه، فلا يهمّك سوى أن ترى في اللوحة ما رآه الفنان المصري.

سترى شيئا من حزنه وعبثه غير أنك ستفاجأ في ما بعد بما لا تعرفه عن نفسك. لقد اختطفك بهجوري في لحظة إلهام من صمت حواسك والتقط الخيط الذي يصل إلى خزانة طفولتك.

أنت لن تعود أنت بعد تلك المحاولة. كلما نظرت إلى تلك الرسمة يخيّل إليك أنك تفتح دفاتر سرية. تلك الدفاتر التي كتبت فيها أسرارك.

الرسم يفعل ذلك بقوة الرسام الذي يرى بطريقة مختلفة كما لو أنه يمتلك قوة سحرية. إن رسم الرسام شجرة فإنها إن لم تختلف عن صورتها الواقعية، فإن ذلك الشخص ليس رساما حقيقيا. لم يُخلق الرسام لكي يعيدنا إلى الواقع بل لكي يحلّق بنا بعيدا عن ذلك الواقع. الواقع الذي نعتقد فيه أن صورتنا في المرآة هي كل ما يراه الآخرون منا. ذلك ليس صحيحا. فالآخرون يرون مشاعرنا أكثر ممّا نظن.

أما بالنسبة إلى الرسام فإنه حين ينظر إلى وجهه في المرآة فإنه يرى آخر يشبهه. ذلك الآخر الذي يقيم في أعماقه وينفعل بما يُخفيه. ذلك ما يتجلّى في الصور الشخصية التي رسمها فنسنت فان غوخ في سنواته الأخيرة.

وهو ما آهل تلك الصور لأن تحتل مكانا بارزا بين الروائع الفنية في المتاحف العالمية. بحجة وجهه رسم فنسنت العالم كما عاشه وعرفه. وهو عالم يتوزّع بين الحزن والشقاء والتمرّد والمقاومة.

نشر المقال هنا

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :133,411,088

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"