هل العراقي أقل اعتزازا بكرامته من الجزائري؟

هيفاء زنكنة

نصَّ البيان المشترك عن جلسة الحوار الاستراتيجي العراقي الأمريكي، المنعقدة في 10 حزيران / يونيو، على تجديد البلدين «تأكيدهما على المبادئ المتفق عليها في اتفاقية الإطار الاستراتيجي، لعام 2008، في مجالات الأمن، ومكافحة الإرهاب، والاقتصاد، والطاقة، والقضايا السياسية، والعلاقات الثقافية.»

بمعنى آخر، لا جديد اطلاقا في الاتفاقية التي عاش في ظلها العراق خلل 12 عاما الأخيرة والتي سيواصل العمل بها بين الإدارة الأمريكية، أيا كان الرئيس المنتخب، والنظام العراقي، مستقبلا، وبلا تحديد زمني، وهي نقطة مهمة جدا لم تتم الإشارة اليها. وهي واحدة من عديد القضايا التي تم التغافل عنها عن طريق حذفها أي عدم تضمين ما كان يجب تضمينه لو كانت الاتفاقية لصالح العراق حقا.
اعتبر رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي أن الحوار حقق إنجازاً عراقياً كبيراً، من ناحيتين اعتبرهما من الأولويات وهما انسحاب القوات الأمريكية من البلاد وعدم بقاء أي قواعد لها بالإضافة الى وضع أسس لتعاون اقتصادي بين البلدين. ومن تتح له فرصة قراءة الاتفاقية بكاملها والتي تم التوقيع عليها عام 2008 ومن ثم البيان الصادر حديثا عن الحوار الذي اعتبره الكاظمي إنجازا كبيرا لوجد أن تصريح الكاظمي مبني على مغالطات واضحة حول سيادة العراق ووضع القوات الامريكية.
تبين مراجعة التفاصيل أن القوات باقية ولكن، وكما حدث في السنوات الماضية، تحت مسميات مختلفة يتم ابتكارها وفقا للحاجة. مستشارون، مدربون، قوات أمنية مساعدة لاستتباب الامن، جمع المعلومات، محاربة الإرهاب، عمليات خاصة، القصف الجوي ولا ننسى السيطرة الجوية عن طريق الطائرات بلا طيار. هذا هو المعنى الحقيقي للسيادة كما تنص عليه الاتفاقية، ويؤكدها البيان بوضوح يناقض تصريح الكاظمي تماما حيث ينص البيان « تعهدت حكومة العراق بحماية العسكريين التابعين للتحالف الدولي والمنشآت العراقية التي تستضيفهم بما يتماشى مع القانون الدولي والترتيبات المحددة لوجودهم كما يقرر البلدان».

وبينما تتكرر في الاتفاقية والبيان مفردات « الصداقة» و «التعاون» و» الشراكة» و « تعزيز مصالح كلا البلدين» فان قراءة بنود الاتفاقية تدل على خلاف ذلك، وان المفردات مصاغة لتبرير وتكريس الهيمنة على بلد ضعيف ومنهك جراء الغزو والاحتلال من قبل ذات البلد الذي يدّعي الصداقة والشراكة. ففي مجال الاقتصاد والطاقة، ستزود أمريكا « المستشارين الاقتصاديين للعمل بشكل مباشر مع حكومة العراق»، وتحقيق « مشاريع الاستثمار المحتملة التي تنخرط فيها الشركات الأمريكية العالمية في قطاع الطاقة والمجالات الأخرى». سياسيا، أكد البيان على « أهمية مساعدة العراق في تطبيق برنامجه الحكومي والإصلاحي بالشكل الذي يلبي طموحات الشعب العراقي، بما في ذلك مواصلة الجهود الإنسانية، واستعادة الاستقرار، وإعادة إعمار البلد، وتنظيم انتخابات حرة وعادلة ونزيهة». وهي اهداف قد تبدو نبيلة، حقا، لولا أن أمريكا بغزوها واحتلالها وقائمة جرائمها المادية والبشرية التي ارتكبتها على مدى 17 عاما، وتهيئتها الأرضية لزرع الإرهاب ومأسسة الميليشيات الإيرانية، هي آخر بلد في العالم تهمه مصلحة الشعب العراقي او أي شعب آخر في المنطقة خاصة. بل ان ما يميز الإدارة الأمريكية هو سياستها العلنية والسرية لتغيير النظام الذي تلجأ اليه ضد الحكومات التي يُعتقد أنها تعمل ضد المصالح الاستراتيجية والأمنية والاقتصادية للولايات المتحدة. حيث قامت، مثلا، بـ 72 محاولة لتغيير النظام، أي الانقلاب العسكري او التمرد المسلح، اثناء العقود الأربعة للحرب الباردة حتى حوالي 1990 فقط. وهي تشمل 66 عملية سرية وست عمليات علنية، حسب صحيفة « الواشنطن بوست»، وهي من داخل المؤسسة الحاكمة الأمريكية، في 26 كانون الأول-ديسمبر 2016.
ثقافيا، كان مرور البيان سريعا. اذ اقتصرت الإشارة الى إعادة الأرشيف السياسي والقطع الاثرية المسروقة. الا ان الاتفاقية نفسها تُبين وجود «المستشارين الثقافيين»، في عديد المؤسسات الثقافية. ويوضح موقع السفارة الأمريكية، ببغداد، معنى « التبادل الثقافي» و « التفاهم المتبادل»، بشكل أفضل. فالمعنى الحقيقي للتبادل هو عدم وجود تبادل. اذ يتم من طرف واحد هو الأمريكي لتنظيم «ورش العمل والمحاضرات والعروض… تغطي البرامج مجموعة واسعة من المصالح بما في ذلك الاقتصاد والعلاقات الدولية وبناء الديمقراطية والدراسات الأميركية». انه، اذن، ضخ للثقافة من جانب واحد. اذ لا يحدث ويزور أمريكيون العراق ليتعرفوا على البلد الذي تم غزوه وتخريبه باسمهم أو « لإقامة علاقات إنسانية متينة والتي تبني جسورا من التعاون والتفاهم بين الشعوب»، كما تدّعي برامج « التبادل الثقافي»، لأن السفارة الأمريكية، أساسا، تحذر من زيارة العراق بل و» تحث المواطنين الأمريكيين ان يغادروا العراق فورا»، فكيف يمكن بناء « جسور التفاهم» بين مواطني البلدين في هذه الحالة؟
من المتوقع زيارة الكاظمي الى واشنطن، في الشهر المقبل، لتوقيع الاتفاقية. فهل هي لصالح الشعب العراقي كما يدّعي؟ وهل يجب القبول بالتبعية التي تنص عليها الاتفاقية، في كافة المجالات، لقاء إضعاف الميليشيات المدعومة إيرانيا، إذا كان هذا فعلا ما يريده الكاظمي من اجل بناء « العراق الجديد» وهو مصطلح أدخله الاحتلال عقب الغزو وتلاشى ليعود، اليوم، ليطفو من جديد؟ وهل اطّلع الشعب على تفاصيل ما سيتم ربطه به، لأمد غير محدد، في اتفاقية تتميز بالتضليل والتزييف؟ ماذا عن جرائم الاعتقال والتعذيب والاغتصاب والقتل التي ارتكبتها أمريكا منذ اليوم للاحتلال وسببت مقتل حوالي مليون مواطن؟ ماذا عن الحصانة من العقاب المتوفرة للقتلة من القوات الامريكية؟ هل سيقوم الكاظمي بتضمين الاتفاقية هذه القضايا قبل توقيعها؟
على الرغم من مرور 66 عاما على اندلاع الثورة الجزائرية ضد الحكم الاستعماري الفرنسي، لا يزال الجزائريون يتذكرون جرائم الحقبة الاستعمارية الفرنسية، ويطالبون فرنسا الاعتراف بما ارتكبته من جرائم نهب وتعذيب وقتل وتهجير واختفاء ومحو الهوية والاعتذار عنه. إن ما ارتكبته أمريكا في العراق، خلال فترة قياسية، يكاد يماثل، الى حد التطابق، ما قامت به فرنسا. وستثبت السنوات المقبلة أن اتفاقيات التبعية لا تمسح ذاكرة العراقيين مهما تم تزويقها، وأن الشعب العراقي ليس أقل اعتدادا بهويته الوطنية وكرامته من أشقائه في الجزائر.

نشر المقال هنا

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :133,411,772

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"