أما كان يمكن..! التاريخ: 2015-02-12 15:25:11 Tweet يوسف الصائغ إنها الساعة الثالثة.. بعد منتصف الليل.. بغداد واقفة، مثل مرضعة.. على كتفها، قمر ميت.. وفي الرحم منها جنين عجيب.. رأينا على الأفق المستريب.. قمرا من رماد . . وأنياب ذيبْ . . والليلة . . سوف يسيل من القمر الميت . . خيط دم ، يعلق بالروح وبالأغصان والليلة . . تنبت في الملجأ أدغال العصر الملعون وتكتمل الأحزانْ وستطفو قبل الفجر تماسيحٌ سود . . ذات زعانف ، من لهب ودخان . . وعما قليل . . ستبتديء المجزرة ** مقدمة : أنا لا أنظر من ثقب الباب الى وطني . . لكني أنظر ، من قلب مثقوب . . وأميز بين الوطن الغالب . . والوطن المغلوب. . . . . اللهُ لمن يتنصتُ في الليل على قلب! أو يسترق السمع الى رئتيه ! وطني لم يشهد زورا ، يوما.. لكن شهدوا بالزور عليه.. القصيدة : ها أنا و اقف ، فوق أنقاض عصري . . أقيس المسافة مابين غرفة نومي . . وقبري ! وأهمس : واآسفاهُ . . لقد وهن العظمُ ، واشتعل الرأسُ ، واسودّت الروح . من فرط مااتسخت بالنفاقْ . . سلام على هضبات الهوى ( سلام على هضبات العراق ) انها الساعة الثانية ، وثلاثون . . من بعد منتصف الليل . . بغداد نائمة . . والهزيع ثقيل . . وحده النهر مستيقظ . . والمنائر . . والقلق المتربص ، خالف جذوع النخيلْ . . فجأة . . صرخت طفلةُ الخوف في نومها . . وتخبط في العش فرخ يمام . . وصاح المؤذن في غير موعده : - استيقظوا ، ايها النائمون . . وماد المدى . . وتجعد جلد الظلام واقشعر السكون : ترى أما كان يمكن إلا الذي كان ؟ ماكان يمكن إلا الذي سيكون ؟ كان ، لامناص ، سوى ان تُخان ، على صدق حبك ، ياصاحبي ، او تخون ؟ . . هو ذا قمر من دم ، قد التصقت كسر الخبز فيه . . دم . . تراب . . وهرّ على منكبيه . . غراب . . ولقد نظرت بمقلتي ذئب الى وطني . . وأحسستُ العواء ، يجيئني ، دبقا . . يبلله اللعابُ . . ورأيتني ، اتشمم الجثث الحرام . أفتش القتلى عن امرأتي . . لكن . . صاح غراب البين . . فانشقّ المشهد قسمين: مشهد ، عن يسار ضريح الحسين . . وآخر ، في ملجأ العامرية . . ورويدا . . حتى يبتديء القصفُ ، وتصعد ، من بين شقوق الاسمنت المحروق ، تراتيل الخوف ، ترافقها أصوات مخاض . . تسقط قنبلة . . تسقط أخرى . . أخرى ينفجر الملجأ . . ينهدم السقف . . وتحترق الدنيا. . فنموت . . ونسمع بين الموت ، وبين اليقظة . . صوت جنين . . يضحك في الأنقاضْ. واقف فوق أنقاض عصري . . كالصليب . . يمد يدين مضرجتين . . فما بين يأس . . وصبر . . ألا . . أيها الراهبُ الابديُّ الجريح . . أما آن أن تستريح . . وتدرك أنك لست المسيح . . وان الطريق الى ( الجلجة ) لم يعد معظلة! ولكنه ، في زمان . . كهذا الزمان . . غدا مهزلة . . ومحض جنون . . ترى ، أما كان يمكن إلا الذي كان . . ؟ ماكان يمكن إلا الذي سيكون ؟ . بلى . . كان يمكن . . لكنّ خمسين عاما ، من الحب . . لابد تُتعبُ والصبر . . يتعبُ . . والحلم . . والوهم . . هذا العذاب البريء . . في وداع حبيب مضى . . وانتظار حبيب يجيء ! وقد كنتُ في وحشة الروح . . أرنو لبغداد . . أبحث عن منزل لي بها ، وأعرف ، أنك أهلي . . وبيتي . . وأن على بابنا ، جرسا للحنين . . أقرعه . . ثم أدخل : اللهُ . . هذا إذن كل ماقد تبقّى ؟ سريرٌ كسيح . . وغرفة نوم مهدمة . . ماتزال معاطف من رحلوا معلقة فوق جدرانها ومكتبةٌ . . سقطت كل أسنانها . . وأهملها العاشقون . . علام إذن يكتب الشعراء قصائدهم ؟ ومم تُرى يشتكون ؟ فما زلت أذكر ، أنا مشيينا وحيدين نبحث عن فندق للعناق . . وحين وجدنا الشوارع مهجورة . . والفنادق ممنوعة على العاشقين ، اخترعنا الفراق . . سلام على هضبات زمان مضى . . سلام على هضبات العراق . . يومها . . كان للحب ، بيت صغير . يعود له في المساء . ولم يكن الحزن قد بلغ الرشد . . والخوف ، ماكان قد أفسد الكبرياء ولم يكن الشهداء يموتون ، من قرف أو رياء . . . . . أبدا . . كان يمشي الى الموت مكتفيا بمحض رجولته وبزهو الدموع التي في عيون الحبيبة . . وحين دنت ، ساعة المجد غالبه حبه . . فانحنى خاشعا وقبل جلاده . . وصليبه . . .. .. .. .. .. واقف كالمرابي . . في تخوم الضياع . . وعصر الخراب . . على كتفي ، ببغاءٌ مدربةٌ وفي الصدر قبرة . . بجناحي غراب . . غير مستنكف من مشيبي . . ولا نادم . . لأني لمحض سراب ، هدرت شبابي . . ولم أنس هذا الذي كان . . او سيكون . . فانظروا أيها الطيبون . . إنها الساعة الثالثة . . بعد منتصف الليل . . بغداد واقفة ، مثل مرضعة . . على كتفها ، قمر ميت . . وفي الرحم منها جنين عجيب . . رأينا على الأفق المستريب . . قمرا من رماد . . وأنياب ذيبْ . . والليلة . . سوف يسيل من القمر الميت . . خيط دم ، يعلق بالروح وبالأغصان والليلة . . تنبت في الملجأ أدغال العصر الملعون وتكتمل الأحزانْ وستطفو قبل الفجر تماسيحٌ سود . . ذات زعانف ، من لهب ودخان . . وعما قليل . . ستبتديء المجزرة فمن يشتري التذكرة إني ابتعت بهذي الليلة تذكرتين مكان اثنين . . أنا وحبيبة قلبي في منتصف المشهد لكأني أرى مثلما يحلم النائمون . . عراقية تتفتح من فرح في الفراش الوثير وأراني أمشط شعر محبتها فترمقني بامتنان وتمسح فوق يودي بالحرير كأني أرى . . وأرى . . وأرى . إنما ، فجأة . . يفتح الباب . . يدخل مخدعنا ، قنفذٌ من دم فتطفيء الرغباتُ وتترك فوق السرير جثة امرأة كنت احببتها ستبقى بلا كفن في ضمير الحضارة. . الى ان يدب الفساد بها . . لتفضح سر العلاقة بين القداسة فيما نحب . . وبين الدعارة! . . . . . واقف فوق انقاض بيتي . . أفتش عن جثة امرأتي . . ودمية بنتي ويسألني الناس للمرة الألف . . - ماكان يمكن ؟ اصرخ : لا . . أيها الغفلون . . فإن تك خمسون عاما من الحب تتعب . . أو يكن الصدق يتعب . . فالكذب . . آخ من الكذب . . هذا العذاب البذيء في اقتفاء النجوم التي لاتضيء . . والتثبت من قمر في المحاق . . سلام على هضبات المنى سلام على هضبات العراق.