شهادة تأبى النسيان

الصورة: لقاء الرئيس صدام حسين مع بارزاني عام 1991، وصورة الحوار على غلاف مجلة ألف باء.


أحمد صبري

50 عاماً مضت على صدور بيان الحادي عشر من آذار 1970  الذي يصادف اليوم وهو الاتفاق الذي أبرمته القيادة العراقية مع قيادة الحركة الكردية لحل القضية الكردية ومعالجة  القضايا الخلافية بين بغداد والحركات الكردية، والذي نال بموجبه الاكراد حقوقهم السياسية والثقافية بموجب الحكم الثاني والاعتراف بالقومية الكردية قومية ثانية بعد العربية في العراق، فضلاً عن منح الاكراد مناصب رفيعة في الدولة العراقية.

 

إلا ان هذا الاتفاق التاريخي لم يدُمْ طويلا بعد ان تعثرت خطواته بفعل التدخلات الخارجية وانعدام الثقة بين الطرفين رغم تمسك القيادة العراقية ببنوده واستعدادها لتثبيته والمضي قدما في تنفيذ فقراته وتطويره.

وشهدت العقود الخمسة الماضية تطورات وتحولات كبيرة في مسار العلاقة بين بغداد واربيل والدور الإقليمي والدولي الذي كان حاضراً في  مسار هذه العلاقة التي كادت ان تثمر، في وقت لاحق، عن اتفاق جديد، بصيغة متطورة، يلبي طموح الاكراد وحقوقهم، الا ان العامل الخارجي مرة أخرى وقف حجر عثره في طريق الاتفاق الذي كادت ان توقعه الجبهة الكردستانية مع القيادة العراقية عام 1991 خلال زيارة وفد الجبهة الى بغداد في  حينها.

وعندما نتحدث عن مسار العلاقة بين بغداد وأربيل فإنني اتوقف عند صفحة مهمة من صفحات هذه العلاقة وأدلي بشهادتي عندما التقيت في بغداد عام 1991  بالزعيم الكردي مسعود بارزاني وأجريت معه حوارا صحفيا مثيرا.

اكتسب حواري مع بارزاني أهمية لأنه أقر بحقيقة حاول الكثيرون التشكيك بصدقيتها، عندما أكد لي أن الرئيس صدام حسين هو ضمانة الأكراد في اي اتفاق مع الحكومة المركزية.

ومردّ هذا التأكيد يعود الى حملة التشكيك التي طالت الموقف العراقي أزاء مسار المفاوضات مع الوفد الكردي، لاسيما أن الحملة ركَّزت على أن سبب تأخير إعلان الاتفاق بين الجانبين يعود إلى مطالبة الأكراد، حينذاك، بضمان الأمم المتحدة لأي اتفاق مع الحكومة العراقية.

ومهّدت لسؤالي لبارزاني باستفسار مفاده: إذا تخاصم شقيقان من بيت واحد من الذي يصلحهما؟

 قال: ربّ البيت، وزدت، وإذا حصل خصام بين طرفين من خارج البيت؟ قال: العقلاء والحكماء يحلّان المشكلة.

وعندما لاحظت استغرابه من أسئلتي قلت موضحاً: بماذا ترد على الأنباء التي تتحدث عن أن الوفد الكردي يرفض التوقيع على الصيغة المطوّرة للحكم الذاتي، ويشترط ضمانة المجتمع الدولي وخاصة مجلس الأمن، فردّ على الفور قائلاً: إنّ صدام حسين هو ضمانة الأكراد، بتأكيد لايقبل التأويل.

نشر حواري مع بارزاني كاملا في مجلة (ألف باء) التي كنت من أسرتها ووضعت صورته على غلاف المجلة لتوثيق الحدث كما هو مع المانشيت الذي تناقلته وسائل الإعلام لأهميته، لأنه كان ردّا على حملة التشكيك بالموقف العراقي، وهي شهادة مهمة من طرف أساسي في الوفد الكردي هو بارزاني.

وبعد حوالي شهر من هذا اللقاء التقيت بارزاني مجدداً في فندق الرشيد بالعاصمة العراقية مصادفة، وقبل أن أسأله عن الحوار بادر مسؤول الإعلام في الوفد، وكان حينها هوشيار زيباري وقال لي: كنت مبالغاً في الحوار وتفاصيله، وهنا التفت إليه بارزاني وقال: لا توجد مبالغة، وكل ماذكره أحمد كان صحيحاً وعلى لساني.

شكرته وقلت لهوشيار: إنني قمت بتسجيل ما قاله بارزاني، ونشرته بأمانة ومهنية وحيادية.

هذه شهادة للتاريخ موثَّقة بالصوت بالصورة لصفحة مهمة من صفحات العلاقة بين بغداد وأربيل كادت أن تبلور صيغة مطوَّرة للحكم الذاتي عام 1991، إلا أن التدخلات الخارجية كان هدفها في تلك الفترة إضعاف العراق بالحصار وصولاً الى احتلاله عام 2003، وهذا ما حدث بالضبط.


comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :133,413,085

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"