كي لا تسرق الثورة

نواف شاذل طاقة

يوما‭ ‬بعد‭ ‬يوم،‭ ‬تشتد‭ ‬أزمة‭ ‬النظام‭ ‬السياسي‭ ‬الفاسد‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬الخضراء،‭ ‬وتتفاقم‭ ‬عزلته،‭ ‬حتى‭ ‬اصبح‭ ‬وقادته‭ ‬أعجاز‭ ‬نخل‭ ‬خاوية‭ ‬قد‭ ‬تتهاوى‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬لحظة. ‬وفي‭ ‬هذه‭ ‬الأثناء،‭ ‬تعرى‭ ‬البرلمان‭ ‬وافتضح‭ ‬امر‭ ‬فساده،‭ ‬وحتى‭ ‬الفتات‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يقدمه‭ ‬للشعب‭ ‬بين‭ ‬الحين‭ ‬والآخر‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬قادرا‭ ‬على‭ ‬توفيره،‭ ‬لأنه‭ ‬مثقل‭ ‬بالفساد،‭ ‬تتقاذفه‭ ‬إرادات‭ ‬اجنبية‭ ‬أفقدته‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬الحركة‭.

‬إعلام‭ ‬النظام،‭ ‬من‭ ‬جانبه،‭ ‬منهار‭ ‬ولَم‭ ‬يعد‭ ‬أحد‭ ‬يسمعه؛‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬وبعد‭ ‬انتفاض‭ ‬محافظات‭ ‬عراقية‭ ‬عديدة‭ ‬في‭ ‬الوسط‭ ‬والجنوب‭ ‬في‭ ‬تشرين‭ ‬الأول/أكتوبر‭ ‬الماضي،‭ ‬وبينما‭ ‬كان‭ ‬الشبان‭ ‬المنتفضون‭ ‬بمدينة‭ ‬كربلاء‭ ‬يتساقطون‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬برصاص‭ ‬قوات‭ ‬أمن‭ ‬النظام،‭ ‬وكان‭ ‬حظر‭ ‬التجوال‭ ‬سار‭ ‬في‭ ‬المدينة،‭ ‬وقف‭ ‬مراسل‭ (‬العراقية‭) ‬الحكومية‭ ‬في‭ ‬كربلاء‭ ‬أمام‭ ‬الكاميرات‭ ‬في‭ ‬شارع‭ ‬خال‭ ‬من‭ ‬المارة‭ ‬ليقول‭ ‬على‭ ‬الهواء‭ ‬إن‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬القوى‭ ‬الأمنية‭ ‬والمتظاهرين‭ ‬سادها‭ “‬تعاون‭ .. ‬وعلاقة‭ ‬لطيفة‭ .. ‬وتبادل‭ ‬ورود‭ ‬واعلام‭ ‬عراقية‭”‬‭!!‬

أما‭ ‬وجوه‭ ‬النظام‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تدافع‭ ‬عنه‭ ‬ليل‭ ‬نهار‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬فقد‭ ‬أخفت‭ ‬رؤوسها‭ ‬ويقال‭ ‬انها‭ ‬باتت‭ ‬خارج‭ ‬العراق‭ ‬بينما‭ ‬اختار‭ ‬البعض‭ ‬الآخر‭ ‬ركوب‭ ‬الموجة‭.‬

‭ ‬الخلاصة‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬النظام‭ ‬يترنح،‭ ‬ويوشك‭ ‬على‭ ‬الانهيار،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يقتضي‭ ‬من‭ ‬المنتفضين‭ ‬أن‭ ‬يستعدوا‭ ‬لليوم‭ ‬التالي،‭ ‬اليوم‭ ‬الذي‭ ‬يعقب‭ ‬سقوط‭ ‬النظام،‭ ‬وان‭ ‬يهيئوا‭ ‬البدائل‭ ‬التي‭ ‬يتعين‭ ‬عليها‭ ‬ان‭ ‬تمسك‭ ‬بزمام‭ ‬الأمور‭ ‬وان‭ ‬لا‭ ‬تترك‭ ‬أي‭ ‬فراغ‭ ‬ينفذ‭ ‬منه‭ ‬الانتهازيون‭ ‬والمنتفعون.‭ ‬ولا‭ ‬أظن‭ ‬أن‭ ‬المنتفضين‭ ‬تنقصهم‭ ‬الكفاءات‭ ‬والخبرات‭ ‬لإدارة‭ ‬كفة‭ ‬البلاد،‭ ‬فبينهم‭ ‬الطبيب،‭ ‬والمهندس،‭ ‬والمحامي،‭ ‬وخريج‭ ‬الجامعة‭ ‬المثقف،‭ ‬والمدرس،‭ ‬والأديب،‭ ‬والشاعر،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬حقيقة‭ ‬أن‭ ‬الداخل‭ ‬العراقي‭ ‬بمؤسساته‭ ‬المدنية‭ ‬والعسكرية‭ ‬الوطنية،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬جامعاته،‭ ‬يزخر‭ ‬بالكفاءات‭ ‬والخبرات‭ ‬المهمشة،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬ينبغي‭ ‬معه‭ ‬تمكينها‭ ‬من‭ ‬أداء‭ ‬دورها‭ ‬لمنع‭ ‬حدوث‭ ‬الفراغ،‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬تسود‭ ‬الفوضى،‭ ‬ولا‭ ‬تسرق‭ ‬الثورة.‭ ‬لقد‭ ‬سبقتنا‭ ‬تجارب‭ ‬عديدة‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬سرقت‭ ‬فيها‭ ‬الثورات‭ ‬من‭ ‬أيادي‭ ‬صانعيها‭ ‬في‭ ‬وضح‭ ‬النهار‭ ‬وعادت‭ ‬رموز‭ ‬الفساد‭ ‬المتمرسة‭ ‬تمارس‭ ‬دورها‭ ‬القديم‭ ‬بثياب‭ ‬جديدة‭. ‬وهكذا،‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬المستبعد،‭ ‬بل‭ ‬ربما‭ ‬من‭ ‬المؤكد،‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬ثمة‭ ‬جهات‭ ‬أجنبية،‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬إيران،‭ ‬تنتظر‭ ‬اللحظة‭ ‬المناسبة‭ ‬لاختطاف‭ ‬الانتفاضة‭ ‬وإعادة‭ ‬العملية‭ ‬السياسية‭ ‬البغيضة‭ ‬بعناوين‭ ‬ومسميات‭ ‬جديدة‭ ‬فيضيع‭ ‬الجهد‭ ‬وتذهب‭ ‬التضحيات‭ ‬سدى‭. ‬إن‭ ‬الانتقال‭ ‬من‭ ‬اجواء‭ ‬الانتفاضة‭ ‬والمضي‭ ‬نحو‭ ‬تحقيق‭ ‬الثورة‭ ‬وغاياتها‭ ‬التي‭ ‬قدم‭ ‬فيها‭ ‬العراقيون‭ ‬دماءً‭ ‬زكية‭ ‬يتطلب‭ ‬اول‭ ‬ما‭ ‬يتطلب‭ ‬الانقلاب‭ ‬على‭ ‬المحاصصة‭ ‬الطائفية‭ ‬والعرقية‭ ‬المقيتة‭ ‬وما‭ ‬جلبته‭ ‬لنا‭ ‬من‭ ‬دمار‭ ‬وويلات،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬اعادة‭ ‬كتابة‭ ‬الدستور‭ ‬بأياد‭ ‬عراقية‭ ‬وبما‭ ‬يكفل‭ ‬بناء‭ ‬عراق‭ ‬موحد‭ ‬خال‭ ‬من‭ ‬الطائفية‭ ‬والعرقية،‭ ‬عراق‭ ‬تتحقق‭ ‬فيه‭ ‬المساواة‭ ‬لجميع‭ ‬العراقيين‭ ‬أمام‭ ‬القانون،‭ ‬عربًا‭ ‬كانوا‭ ‬أم‭ ‬أكرادًا‭  ‬أم‭ ‬تركمانًا،‭ ‬مسلمين‭ ‬أم‭ ‬مسيحيين،‭  ‬شيعة‭ ‬أم‭ ‬سنة،‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬نظام‭ ‬مدني‭ ‬ديمقراطي‭ ‬حقيقي‭ ‬يحترم‭ ‬الإنسان‭ ‬وحقه‭ ‬المقدس‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬الحرة‭ ‬الكريمة‭. ‬وعليه،‭ ‬فان‭ ‬المهام‭ ‬التي‭ ‬ستلقى‭ ‬على‭ ‬عاتق‭ ‬المنتفضين‭ ‬نهار‭ ‬اليوم‭ ‬الذي‭ ‬نستيقظ‭ ‬فيه‭ ‬ولا‭ ‬نجد‭ ‬الفاسدين‭ ‬في‭ ‬الحكم‭ ‬أخطر‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬النهارات‭ ‬التي‭ ‬سبقتها‭.‬

نشر المقال هنا

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :133,410,502

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"