كيف تؤثر الأعاصير في أعماق المحيطات؟

في أوائل تشرين الأول/أكتوبر 2016، تشكلت عاصفة استوائية سميت "نيكول" في منتصف المحيط الأطلسي.

جابت العاصفة المحيط لمدة ستة أيام، حتى وصلت إلى حالة الأعاصير من الفئة الرابعة، مع رياح قوية بلغت 225 كيلومترا في الساعة، قبل أن تضرب جزيرة برمودا الصغيرة بوصفها إعصارا من الفئة الثالثة.

سبر عمق التأثيرات
الأعاصير مثل نيكول يمكن أن تسبب ضررا كبيرا للبنى البشرية على الأرض، وغالبا ما تسبب أضرارا وتشكل خطرا على الممتلكات والأرواح، وتغير الطبيعية الأرضية بشكل دائم؛ لكن هذه العواصف القوية تؤثر أيضا على المحيط نفسه.

العلماء لديهم فهم جيد لكيفية تأثير الأعاصير على الطبقة السطحية للمحيطات، وبصفة خاصة المنطقة المضاءة بنور الشمس، حيث يمكن أن تحدث عملية التمثيل الضوئي. ومع ذلك -حتى وقت قريب- لم نكن نعرف الكثير عن كيفية تأثير الأعاصير على أعماق المحيط.

ومؤخرا، أتاحت دراسة حديثة عن إعصار نيكول قام بها باحثون في المختبر البيولوجي البحري في وودز هول بماساتشوستس التابع لجامعة شيكاغو الأميركية، ومعهد برمودا لعلوم المحيطات في برمودا؛ نظرة جديدة على تلك الآثار.

وفي الدراسة الجديدة التي نشرت في مجلة الأبحاث الجيوفيزيائية "جيوفيزيكال ريسرش لترز" للمرة الأولي يوم 16 آب/أغسطس الماضي، وفّر العلماء أول دليل مباشر على أن الأعاصير تؤثر على المضخة البيولوجية للمحيط، وهي العملية التي تنقل بها الكائنات الحية الكربون من سطح المحيط إلى طبقات محيطية أعمق، وفي النهاية إلى قاع البحر.

برنامج التدفق المحيطي
في أطول سلسلة زمنية من نوعها، ظل برنامج التدفق المحيطي (المتعلق بتدفق التيارات المحيطية) يقيس باستمرار الجسيمات الغارقة -المعروفة باسم الثلوج البحرية- في بحر سارجاسو العميق منذ عام 1978.

وقبل أن يضرب برمودا، مر إعصار نيكول مباشرة من خلال موقع برنامج التدفق المحيطي، على بعد حوالي 80 كيلومترا من الجنوب الشرقي لبرمودا، وأتاح ذلك للعلماء فرصة فريدة لدراسة كيفية تأثير الأعاصير على أعماق المحيط.

ولدراسة أعماق المحيط، وضع برنامج التدفق المحيطي سلسلة من المعدات العلمية، بما في ذلك مصائد الرواسب، في أعماق مختلفة على خط رصيف يمتد من مرساة يبلغ وزنها 907 كيلوغرامات تقع في قاع البحر (4.5 كيلومترات تحت السطح).

مضخة بيولوجية تعزز التغذية
أفاد الباحثون في تقريرهم بأن إعصار نيكول كان له تأثير كبير على دورة الكربون في المحيطات والنظم الإيكولوجية في أعماق البحار، حيث تحرك رياح الأعاصير القوية المياه الأكثر برودة من الأسفل بعنف، وتجلب بذلك المغذيات مثل النتروجين والفوسفور إلى السطح، وتحفز ازدهار الطحالب القصيرة العمر.

كما ولّدت الرياح العالية السرعة المرتبطة بإعصار نيكول تبريدا شديدا للمحيط السطحي وتيارات قوية وأمواجا تحت الماء، واستمر بعضها لأكثر من أسبوعين.

وعجل هذا بشكل كبير المضخة البيولوجية، مع دفع التيارات المائية للمواد المغذية إلى الطبقة السطحية، الأمر الذي أدى إلى انتعاش الطحالب.

ثم قامت المضخة البيولوجية المعززة التغذية بضخ المواد العضوية من الطحالب الناجمة عن الإعصار بسرعة للأسفل في اتجاه أعماق المحيط.

وفر هذا دفعة كبيرة من الغذاء للحياة البحرية في أعماق المحيط، حيث لا يصل الضوء عادة. ووجد العلماء زيادات كبيرة في المواد العضوية الطازجة في مصائد الرواسب عند أعماق تصل إلى 1.5 كيلومترا و3.2 كيلومترات تحت سطح الأرض.

وكانت قياسات نمو الطحالب في موقع برنامج التدفق المحيطي بعد مرور إعصار نيكول من بين أعلى المعدلات التي لوحظت في تشرين الأول/أكتوبر على مدى السنوات الـ25 الماضية.

وأوضح الكيميائي الجيولوجي روت بيدروسا باميس عالم المحيطات في مركز النظم الإيكولوجية في المختبر البيولوجي البحري والمؤلف الأول للدراسة، في بيان صحفي للمختبر البيولوجي البحري، أن "أسطح وأعماق المحيط كانت في الواقع على اتصال جيد في أعقاب هذه العواصف القوية"، وأضاف "إن المواد التي تصل إلى تلك الأعماق تعد أمرا بالغ الأهمية بالنسبة للنظام البيئي في أعماق المحيطات".

ثار طويلة الأجل
ومنذ عام 1980، مرت 7 أعاصير من الفئة الثالثة أو أكثر في حدود 299 كيلومترا من برمودا، وأثرت على ما مجموعه أكثر من 84,951 كيلومترا مربعا من المياه السطحية، وهي منطقة أكبر من ولاية ماين الأميركية.

وتشير النماذج المناخية الحالية إلى أن شدة الإعصار يمكن أن تزيد مع استمرار ظاهرة الاحتباس الحراري الناجم عن الأنشطة البشرية، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى توسيع منطقة المحيطات التي تجعلها الأعاصير مضطربة، مع ما يترتب على ذلك من آثار بالنسبة للدورات البيوجيوكيميائية للمحيطات والنظم الإيكولوجية في أعماق المحيطات.

ونظرا للظروف القاسية في أعماق المحيط، كان من الصعب جدا على العلماء دراسة تأثير الأعاصير على المحيطات. وعندما بدأ برنامج التدفق المحيطي في عام 1978، كان العلماء قادرين فقط على جمع كوب واحد من الجسيمات الغارقة كل شهرين.

وقال بيدروسا باميس "الآن، لدينا تحليل للعينات مرتين في الأسبوع ومصائد للرواسب على ثلاثة أعماق".

ومع انتشار المعدات والتكنولوجيات الجديدة لدراسة أعماق المحيطات، أصبح فهم تأثيرات الأعاصير على المحيطات في متناول اليد أخيرا.

المصدر

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :133,413,344

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"