عن الحرب المستجدة والمتنقلة بين الاحتلالين (الإسرائيلي) والإيراني

ماجد عزام

اعتمد الاحتلال (الإسرائيلي) في العادة سياسة التكتم تجاه غاراته وهجماته ضد الاحتلال الإيراني بشكل عام، وفي سوريا بشكل خاص، لكن هذه السياسة تم تجاوزها مرات قليلة، كما حصل في بداية العام الجاري، ثم الأسبوع الماضي عندما أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عن استهداف مواقع إيرانية في العراق، ثم في سوريا أثناء التحضير لما قالت تل أبيب إنه رد إيراني على قصف أهداف لها في العراق.

كما قلنا مراراً هنا ونعيد التذكير به إن الاحتلال (الإسرائيلي) لم يعترض على الاحتلال الإيراني لسوريا بحد ذاته أو دعم طهران لنظام بشار الأسد، وتأخير سقوطه – الحتمي على أية حال – أو استقدام وتجييش أذرعها الطائفية للقتال هناك، كما لم تعترض على احتلال إيران للعراق وتدمير مقدرات البلد وتحويله إلى عاصمة لإمبراطورية – الدم والوهم – الفارسية، كما يتشدق قادتها، لكن أوجه الاعتراض (الإسرائيلية) تتمثل برفض تموضع إيران استراتيجياً بمعنى إقامة قواعد عسكرية برية بحرية أو جوية، أو نشر منظومات أسلحة تعتقد تل أبيب أنها قد تشكل خطراً عليها.

القواعد الإيرانية تهدف أساساً لزيادة النفوذ، توسيع الإمبراطورية ونهب الثروات العربية، والهيمنة الإقليمية على أنقاض المدن والحواضر العربية المدمرة بعد تشريد أهلها، وليس لتهديد (إسرائيل) التي استغلت القصة كلها، للفت الانتباه عن احتلالها لفلسطين، كما لتسريع وتيرة التطبيع مع الدول العربية.

بالتعاون المباشر مع الاحتلال الروسي الذي جلبته، بل استجدته إيران وأذرعها الطائفية لإنقاذ نظام الأسد، استهدفت (إسرائيل) أو أجهضت كل محاولات إيران للتموضع الاستراتيجي في سوريا بما في ذلك تدمير مطارات وقواعد تابعة للنظام على مقربة من الاحتلال الروسي، وعلى مرمى بصر أجهزته الأمنية وراداراته، ما دفعها أي إيران للجوء إلى نقل وتخزين ترسانتها التسليحية في العراق الذي تحتله أيضاً.

هنا بدأت إسرائيل في نقل غاراتها وهجماتها للعراق، حيث بلغت أربعاً خلال شهر واحد فقط، واللافت أن الغارات استهدفت مواقع للحشد الشعبي ضمن مواقع للجيش النظامي، علماً أن الحشد الشعبي العراقي تحوّل إلى ما يشبه الحرس الثوري الإيراني، وهو نفس ما جرى مع الحشد الشعبي في لبنان بشكل وإطار مختلف، ولكن مع نفس المضمون المتمثل بالهيمنة على مقدرات البلد وقراراته الكبرى سياسياً وأمنياً.

في استهداف الاحتلال (الإسرائيلي) للاحتلال الإيراني في العراق جرى استغلال الضائقة التي تمر بها طهران مع الضغوط المتزايدة عليها، واستنزافها على كل الجبهات ولا شك أن تل أبيب حصلت من أميركا القوة القائمة بالاحتلال هناك، على نفس ما حصلت عليه من روسيا في سوريا، أي دعم لوجستي مباشر وضوء أخضر أو برتقالي، وفي الحد الأدنى غض النظر والرادارات..

وفي هذا الصدد كان لافتاً ما نشره موقع المونيتور (الإسرائيلي) عن نتائج الاجتماع الأمني الثلاثي الذي عقد بالقدس المحتلة أواخر حزيران/ يونيو الماضي وضم مستشاري الأمن القومي في أميركا روسيا و(إسرائيل)، حيث رفضت واشنطن وتل أبيب عرض موسكو الاكتفاء، بإخراج إيران من سوريا، وأصرّتا على إخراجها من العراق أيضاً، لقبول وضمان المصالح الروسية في سوريا – والمنطقة - مع تأجيل النقاش حول مصير نظام بشار الأسد إلى مرحلة لاحقة.

ومع بُعد المسافات بين فلسطين والعراق فلا شك أن الطائرات (الإسرائيلية) مرت من أمام الرادارات الروسية في سوريا، وربما تلقت الدعم أيضاً، هو نفس ما يمكن قوله عن الاحتلال الأميركي، بعدما كان الاحتلال الإيراني - وأذرعه الطائفية - قد تمتع بتغطية جوية من الاحتلال الأميركي في العراق، حيث السماء لأميركا والأرض لنا، كما قال قاسم سليماني ذات مرة، وهو نفس ما جرى في سوريا بعدما استجدت الاحتلال الروسي بأي ثمن لتأمين التغطية الجوية لها ولحشودها الطائفية.

إذن مع زوال التغطية الجوية الأميركية في العراق والروسية في سوريا بات الاحتلال الإيراني عارياً أمام الاحتلال (الإسرائيلي) وغاراته، مجبراً على الخضوع لقواعد اللعب التي يفرضها الاحتلالان، أو تلقي الضربات الصفعات والإهانات (الإسرائيلية) جهاراً نهاراً دون قدرة جدية على الرد.

الغارة أو بالأحرى العملية (الإسرائيلية) الأخيرة فى معقل حزب الله بضاحية بيروت الجنوبية تبدو مختلفة نسبياً، رغم أنها تندرج ضمن السياق العام للصراع الإيراني (الإسرائيلي) المستجد في سوريا والعراق، حيث يقول الاحتلال (الإسرائيلي) أنه يسعى لمنع الحزب من تصنيع أسلحة كاسرة للتوازن بعدما عجزت إيران عن تخزينها لحسابه في سوريا، وطبعاً يحدث كل هذا بعيداً عن إرادة الشعب اللبناني والحكومة الشرعية، كما سنفصِّل لاحقاً.

أما الإعلان (الإسرائيلي) عن الهجمات الأخيرة فله عدة أسباب داخلية تتعلق بتحقيق فائدة انتخابية لبنيامين نتنياهو الذي يعاني من ضائقة وضغوط قد تطيح بمسقبله السياسي. وخارجية تتعلق بالتأكيد للروس عن خرق الإيرانيين لاتفاق إبعادهم وحشودهم عن الحدود السوريا مع فلسطين المحتلة، كما تحريض الشعب الإيراني على قيادته التي تهدر موارده ومقدراته على التوسع الخارجي، وتحريض العراقيين على إيران التي تورط البلد في صراع مع (إسرائيل) أيضاً دون إرادته مشيئته أو امتلاكه القدرة على ذلك. هنا يمكن الإشارة إلى ما قاله المسؤول فى التيار الصدري نائب رئيس الوزراء العراقي السابق بهاء الأعرجي - الأربعاء 14 آب أغسطس - عن استهداف (إسرائيل) أسلحة مخزنة لدولة جارة، وبالتأكيد بعيداً عن السلطة العراقية الشرعية على علاتها الخاضعة لهيمنة الاحتلالين الأميركي والإيراني.

عموماً لا بد من التأكيد على أن الاحتلال الإيراني لا يملك الشرعية لا في العراق ولا في سوريا، ولا حتى في اليمن ولبنان، وهي أي إيران قدمت أكبر خدمة ل(إسرائيل) بسياستها الدموية الطائفية البغيضة التي أدت إلى تدمير الحواضر العربية، تشريد أهلها وناسها، وتدمير النسيج الاجتماعي في العراق وسوريا كما في لبنان واليمن.

حزب الله كذلك لا يملك الشرعية للتحول إلى جيش مدجج بالأسلحة الإيرانية في الداخل وميليشيا للتوسع والانتشار خارجياً بأوامر إيرانية في طول وعرض المنطقة. كما يتبجح أمينه العام، وبالتأكيد هو لا يملك شرعية إرسال شبابه للقتال إلى جانب النظام، أو حتى مواجهة إسرائيل في سوريا بعيداً عن إرادة الشعب السوري وقواه الحية.

التصعيد الأخير بل الاشتباك المحدود جداً - الأحد1 أيلول/ سبتمبر- بين حزب الله والاحتلال (الإسرائيلي) أكد المعطيات السابقة كلها، الحزب ليس بوارد التصعيد أو الذهاب إلى حرب كبرى، كون القرار مرتبطاً بسياسة إيران التي تستغله للهيمنة الإقليمية، وتعتبره أحد الأسلحة الأخيرة في يدها في معركتها المصيرية، تماماً كالسلاح النووي في حال امتلاكه، و(إسرائيل) تعرف هذا جيداً، وتستغل ضعف الحزب وإستنزافه في حروب إيران، وفقدانه التغطية الشعبية المحلية والإقليمية، كي تفرض ما يحلو لها من قواعد ومحددات عليه كما على مشغليه في طهران.

وهنا لا بد من التأكيد مرة أخرى على أن مهمة مواجهة (إسرائيل) وتحرير فلسطين ملقاة تاريخياً على عاتق الشعوب والحواضر الكبرى في سوريا والعراق، التي دمرتها إيران وساعدت بل استجدت الغزاة لاحتلالها خدمة لأهدافها الاستعمارية القومية والطائفية.

من نافل القول الإشارة إلى أن (إسرائيل) لا تملك الشرعية كونها قوة احتلال في فلسطين وسوريا وقطعاً لا شرعية لممارساتها وسياستها العدوانية، وثمة فرق منهجي وحتى استراتيجي مهم لا يجب ولا يمكن القفز فوقه، حيث إن إحتلال إيران للدول العربية غير شرعي، لكنها بحد ذاتها دولة شرعية وجارة نريد معها أفضل العلاقات بعيداً عن الفكر الاستعماري، أو الذهنية الطائفية الموتورة التي تتعاطى بها رغم أن هذا قد يكون صعباً مع أنهار الدم التي أسالتها في مدننا ودولنا التي تتبجح باحتلال أربعة منها. أما (إسرائيل) فاحتلالها غير شرعي وهي نفسها غير شرعية، لا يمكن الاعتراف أو الإقرار بطبيعتها الاستعمارية، وبالتأكيد فإن المنطقة لن تنعم بالأمن السلام والاستقرار في وجودها.

نشر المقال هنا

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :133,410,414

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"