وسط ضعف في إنفاذ القوانين وغياب للمساءلة وانعدام لتحقيق حقيقي في حالات التعذيب المتكررة التي باتت الصفة العامة في جميع السجون الحكومية المعلنة؛ تعودت إدارات تلك السجون على انتهاك حقوق المعتقلين وحرمانهم من ضرورات الحياة بطرق أكثر قسوة وأشد وطأة، في ظل تزايد أعداد المعتقلين في العراق بسبب سهولة كيل الاتهامات للضحايا وعدم وجود إحصاءات دقيقة لأعدادهم، التي تشير التقديرات إلى أنها تتراوح بين (250 ألف – 750 ألف) معتقل، معظمهم جرى اعتقالهم بطرق غير قانونية.
وهم محتجزون في سجون وزارات العدل والداخلية والدفاع الحكومية، التي باتت بعد 2003 تدير أكثر من (50) سجناً كبيراً وما لا يقل عن (400) معتقل معلن في مقرات الوزارات والدوائر التابعة لها، فضلاً عن أكثر من (1000) موقف في مراكز الشرطة المنتشرة في أنحاء المحافظات العراقية، إلى جانب أماكن توقيف غير رسمية تشرف عليها مختلف الأجهزة الأمنية الحكومية، وأماكن حجز وسجون تابعة للأحزاب والميليشيات المتنفذة غير خاضعة لأي رقابة. وما تزال مشكلة المعتقلين في السجون الحكومية المعلنة في العراق تشغل الرأي العام دولياً، وتتفق جميع المنظمات الحقوقية على أن قضية المعتقلين العراقيين انتهاك صارخ لحقوق الإنسان، وهناك إجماع دولي على وصف السجون الحكومية المعلنة في البلاد بأنها أسوأ وسائل الابتزاز في العصر الحديث، يتعرض القابعون وراء أسوارها إلى جرائم القتل البطيء تعذيباً وتنكيلاً وإذلالاً وإهمالاً متعمدا. ويعدّ سجن التاجي، شمال العاصمة، من أكبر سجون العراق وأفظعها وأسوئها سمعة، بعد سجن الناصرية المركزي جنوب البلاد، حيث ترد منه بشكل متواتر شهادات مروعة من المعتقلين الناجين أو الذين لا يزالون قابعين خلف أسواره؛ شهادات توثّق حقائق يشيب لها الولدان، وشعور بالمهانة يعتري الأحياء الأموات المحتجزين في غياهب زنازين الرعب والموت التي تعج بالمعتقلين الأبرياء.
عودة ملف التعذيب إلى الواجهة يعود ملف التعذيب في سجون العراق مجدداً إلى الواجهة في كل مرة يتم الكشف فيها عن تسجيل حالات وفاة داخل أحد السجون الحكومية بسبب التعذيب، في حوادث باتت متكررة بشكل متصاعد لاسيّما في السنوات الأخيرة. فبحسب المعتقل (ع. س), 26 عاما، الذي خصَّ قسم حقوق الإنسان في الهيئة بهذه الشهادة، والذي استطاع أن ينجو بروحه بعد أن دفعت والدته مبلغًا ماليًا كبيرًا لأحد ضباط السجن تجاوز (35) مليون دينار عراقي، تم على إثره إطلاق صراح المعتقل الذي جرى اعتقاله من منزله دون إذن قضائي، بعد أن قامت القوّة المداهمة بقتل والده بدم بارد أمام أفراد العائلة، والذي تحدث عن جانب من الانتهاكات الجسيمة والجرائم البشعة التي يتعرض لها معتقلو سجن التاجي التي يرتكبها أغلب الضباط والمنتسبين في السجن. ممارسة الرغبة في القتل من قِبَل الجلادين يتكلم المعتقل بحرقة وألم عن قصة نجاة حقيقية في ظل الظروف التي أحاطت بالاعتقال منذ لحظاته الأولى مرورًا بطريق الوصول إلى المعتقل الأول الذي أُدع فيه والذي لم يتمكن من معرفة اسمه أو مكانه حتى اليوم، وعن ذكرياته بشأن ما تعرض بداخله من أساليب تعذيب سادية، في ظل رغبة القتل المسيطرة على نفوس الجلادين والسجانين هناك، حيث كان يفقد الوعي بعد جلسات التحقيق من جراء التعذيب الشديد الذي ينتهي عادة بالإغماء، ويتحدث المعتقل عن روايات وأحداث رهيبة لأعداد كبيرة من المعتقلين الذين كانوا معه في المعتقل، والذين تم توقيف معظمهم بصورة غير قانونية وتم عزلهم عن العالم بشكل كامل ليصبحوا مجرد أرقام في قوائم المدنيين المفقودين في العراق، ناهيك عن رجال فارقوا الحياة تحت التعذيب أو بسبب الإهمال المتعمد، وما دأبت إليه إدارة السجن في معاقبة جميع المعتقلين عقابًا جماعيًا بشكل شبه يومي إما عن طريق تركهم فريسة للبرد القارس في فصل الشتاء أو ضحية للهيب الحر في فصل الصيف. ويقول المعتقل إنه تم اعتقاله 3 مرات في السابق دون ذكر أسباب الاعتقال من قبل الأجهزة الأمنية الحكومية التي نفذت الاعتقال، ولكن كانت المرة الأخيرة أصعبها حيث بقي في السجن أكثر من خمس سنوات تم تحويله خلالها إلى سجون كثيرة، وانتهى به المطاف في سجن التاجي الذي كان مختلفًا من حيث أساليب سوء المعاملة وإمعان الضباط في الإذلال وكيل الشتائم الطائفية للمعتقلين باستمرار، وبحسب المعتقل السابق فإنه لا يمكن تصور شدة التعذيب التي تعرض لها ليس من الضباط والمنتسبين فحسب، بل من عناصر الميليشيات المتنفذة أيضًا، الذين يقتحمون السجن متى شاءوا لاسيّما بعد منتصف الليل ويستمرون بتعذيب المعتقلين حتى الصباح، وهناك حالات إعدام ميدانية طالت 3 معتقلين، أحدهم جرى إعدامه بعد إخراجه من الزنزانة مباشرة أمام مرأى ومسمع السجناء الآخرين. تصاعد وتيرة التعذيب ويشير الشاهد إلى أنه من الصعب حصر ما تعرض إليه ومن معه من المعتقلين خلال سنوات الاعتقال من تعذيب لكنه يؤكد على أن التعذيب اشتد وكان بأعلى درجاته خلال السنة الأخيرة، ويقول: أول مرة اعتُقلت فيها كنت في سن الرابعة عشر دون ذكر أسباب الاعتقال، وتم ذلك في نقطة التفتيش الحكومية القريبة من منزلنا الواقع في منطقة الطارمية، ولكن لم تتجاوز مدة الاعتقال في المرتين السابقتين العشرة أشهر، وفي المرة الثانية تم اعتقالي مع اثنين من أبناء عمومتي، حيث كنا عائدين من حفل زفاف في نفس المنطقة، وسمعت أن أحدهم قد توفي في السجن، لكني لا أعلم الكيفية التي حدثت فيها الوفاة. ويتحدث المعتقل وهو خارج العراق حاليًا حيث تمكن من مغادرة البلاد والحصول على لجوء في إحدى الدول الغربية لكنه ما يزال مرعوبًا خائفًا من ذكر اسمه صراحة خوفا من تعرض ذويه لانتقام وبطش القوات الحكومية والميليشيات، ويقول: كل من دخل سجن التاجي يعلم أنه يسمى سجن الموت البطيء لأن الناس هناك يموتون بسبب التعذيب والتجويع والحرمان من الدواء والتعرض لبرد الشتاء وقيض الصيف، ناهيك عن التعذيب النفسي الذي كان يعاني منه السجناء خلال مدة بقائهم بالسجن لاسيما مع غياب الأمل بالنجاة والخروج من السجن الذي أصبح من الخيال للأعم الأغلب من النزلاء إلى الحد الذي بات الجميع يظنون أنهم سيموتون في السجن ولا من مغيث، ولكن لا أحد كان يعلم متى ستصيبه مصيبة الموت. أساليب تعذيب مبتكرة وتتنوّع أساليب التعذيب الوحشية خلال التحقيق مع المعتقلين في السجون الحكومية، ولاسيّما في سجن التاجي، حتى ابتكرت الجهات الأمنية أنواعًا جديدة منها، بحسب الشهود، منها: إجبار السجناء على التعري والوقوف أمام النزلاء الآخرين عراة لإشعار السجين بالخزي ما يؤدي إلى حالة من الإحباط النفسي لإجبار المعتقلين على التوقيع على ما يدونه المحققون والاعتراف بجرائم لم يرتكبوها، إلى جانب تعرض المعتقلين إلى ربط الأقدام والأيدي بأوضاع غير مريحة لفترات طويلة، وعزل السجين الذي يتعرض للتعذيب عن جميع الموجودين من السجناء أو الحراس قبل الموعد المقرر للتحقيق، ويتم هذا بأوامر مباشرة من المحققين، فضلًا عن الضرب المبرح بالعـصي والخراطيم الكبيرة والدعس على رقاب المعتقلين حتى يفقدوا الوعي مرورا بالصعق الكهربائي والتعليق من الأكتاف لساعات طويلة والإيهام بالغرق، وحجز آلاف السجناء داخل غرف معدة أصلًا لتخزين الأسلحة والذخيرة، بسبب عدم استيعاب السجون للأعداد الكبيرة من المعتقلين. التعذيب حالة عامة في السجون بحسب شهادات وثّقها قسم حقوق الإنسان لمعتقلين سابقين؛ فإن التعذيب الجسدي والنفسي وحتى الجنسي هو الحالة العامة في جميع السجون الحكومية التي تم نقلهم إليها ولكن بنسب متفاوتة كانت أعلاها في سجني الناصرية والتاجي، بحسب الشهود، حيث كانوا كلما نقلوا إلى سجن جديد يعتقدون أن المعتقل الأخير كان الأسوأ، لكنهم يصدمون بأساليب تعذيب مروعة إلى الدرجة التي يتمنى بعضهم فيها أن يعودوا إلى السجن الذي كانوا فيه، حيث أن الأوضاع كانت تزداد سوءًا كلما نقلوا من سجن إلى آخر وصولًا إلى المحطة الأخيرة الذي كتب الله لهم الخروج منها ليكتب لهم عمر جديد. حرمان ممنهج من مقومات الحياة وهناك شهادات لمعتقلين في سجن التاجي جرى توثيقها تكشف النقاب عن الأوضاع الإنسانية الصعبة والظروف القاسية التي يعاني منها كل من انتهى به المطاف داخل هذا السجن في ظل الحرمان الممنهج من الحقوق الإنسانية الأساسية كالرعاية الصحية والتغذية والتهوية، فضلا عن شتى أساليب الابتزاز التي بات جميع المعتقلين ضحية لها، وقد نقل عدد من معتقلي السجن مناشدة عبر قناة الرافدين الفضائية ووسائل إعلام أخرى؛ لتسليط الضوء على قضيتهم وحددوا تاريخ السابع عشر من تموز الماضي موعدًا لشن حملة تضامنية لمساندتهم استمرت 3 أيام، ويقول (ق. س.): إن المسؤولين داخل السجن اعتادوا على كيل الشتائم الطائفية والضرب دون سبب أو مسوغ، إلى جانب العبث بالمتعلقات الشخصية للسجناء، ناهيك عن منع أفراد الأمن أداء المعتقلين صلاة الجماعة داخل السجن وقيامهم بسب الرموز الدينية السنية وترديد شعارات طائفية. ويؤكد سجين حالي على أن وتيرة التعذيب زادت بشكل غير مسبوق خلال الأشهر الماضية بالتزامن مع انعدام الخدمات الأساسية والمستلزمات الضرورية للحياة حيث سجلت من جراءها حالات اختناق بسبب الاكتظاظ وقلة التهوية بالتزامن مع انتشار الأمراض نتيجة انعدام الرعاية الطبية. إصرار على منع زيارة المعتقلين نؤشر هنا استمرار إدارة السجن في استغلال السجناء وابتزازهم ناهيك عن ممارستها التعذيب النفسي على السجناء وسط غياب مزمن للمنظمات الدولية المعنية بحقوق السجناء، وإصرار إدارة السجن على منع الزيارة على المعتقلين مهما كانت درجة قرابة الزائرين، إلا في بعض الحالات التي تقتصر على النساء دون الرجال، ونورد في هذا التقرير بعض الشهادات التي وثّقها القسم بهذا الشأن؛ إذ تقول (أم علاء) 37 عامًا، من محافظة نينوى: تم اعتقال أخي قبل 3 سنوات خلال رحلة النزوح التي اضطررنا إليها بعد استهداف منزلنا بالقصف وإصابة ابنتي من جرّائه، حيث قامت قوة عسكرية حكومية باحتجاز مجموعة كبيرة من النازحين كنا معهم، بعدما شرعوا بفصل الرجال والشبان والصبيان عن النساء والأطفال، ومنذ تلك اللحظة انقطعت أخباره تماما وبقينا نبحث عنه حتى توصلنا قبل شهرين إلى انه معتقل في سجن التاجي بعد أن حُكم عليه بالسجن (15) عامًا من قبل محكمة مكافحة الإرهاب استنادًا إلى اعتراف بجرائم لم يرتكبها اُجبر تحت التعذيب الوحشي على الإدلاء بها، علمًا أنه كان قبل اعتقاله طالبًا جامعيًا. ويقول أحد سجناء التاجي الحاليين إن المعتقلين يموتون ببطء داخل السجن بسبب المعاملة السيئة من قبل الإدارة التي تمنع إخراجهم للتشميس وتقوم بحشرهم في زنزانات ضيقة خلال فصل الصيف ما أدى إلى وفاة معتقلين من جراء قلة التهوية وغياب المستلزمات الضرورية الأخرى للحياة. انتهاكات مكثفة في السجون الحكومية في حالة أخرى؛ يقول ابو محمد 28 عامًا، من مدينة الرمادي، اعتُقل والدي وهو بعمر 59 عامًا، من قبل قوّة أمنية تابعة إلى مديرية شرطة الأنبار دون إذن فضائي بسبب الاشتباه بانتماء أحد إخوتي لتنظيم داعش، وتوفي من جراء التعذيب بعد اقل من15 يومًا من توقيفه وانقطاعه عن العالم الخارجي، و بعد استلامنا للجثة بعد أكثر من شهر من حادثة الوفاة كانت ظاهرة عليها كدمات وآثار تعذيب واضحة في منطقة الرأس والصدر والأطراف العليا والسفلى. وما يدفع إلى التساؤل عن عمليات تعذيب مبرمجة وانتهاكات حقوق الإنسان مكثفة داخل السجون الحكومية المعلنة في البلاد؛ وفاة معتقل داخل مركز للشرطة في محافظة كربلاء متأثراً بضرب مبرّحٍ تعرّض له خلال الاستجواب أدى إلى توقف كليتيه عن العمل وتكسير 3 من عظام الصدر، علمًا أنه اعتُقل بتهمة غير متعلقة بالإرهاب بل بسبب مشاكل اجتماعية، واعترف بهذا مسؤول في وزارة الداخلية الحالية، ويذكر أن المعتقل الذي توفي من جرّاء التعذيب لم تتم محاكمته وكان يمضي عامه الرابع في المعتقل؛ الأمر الذي يشير إلى تصاعد جرائم التعذيب في سجون وزارات الدفاع والداخلية والعدل الحالية وسجون الاستخبارات العسكرية ومكافحة الإرهاب وقيادات العمليات بالمحافظات، ما يؤكد على أن التعذيب ظاهرة وسياسة ممنهجة في السجون الحكومية في العراق، لا ممارسات فردية إطلاقاً. ويقول (أبو علي)، 47 عامًا، من مدينة الموصل: تم اعتقالي ضمن عدد كبير من أبناء المدينة بعد استعادتها من تنظيم داعش اعتمادًا على بلاغ المخبر السري الذي غالبًا ما يكون وشاية كيدية، لكن يقوم القاضي باعتمادها وإصدار مذكرات إلقاء قبض دون تثبت من الموضوع، علمًا أن المخبر السري معروف من قِبَل القضاة ولاسيّما المتواجدين في محكمة جنايات تلكيف، وهم في الغالب تابعون إلى ميليشيات متنفذة مثل العصائب وغيرها؛ الأمر الذي عزز لدى الأهالي الشعور بأن هدف هؤلاء القضاة هو الانتقام من أبناء الموصل وابتزازهم ولاسيّما النازحون العائدون إليها، وتمت في حالات كثيرة، بحسب الشاهد، إجبار المعتقلين من قبل قضاة التحقيق على التوقيع على أوراق بيضاء يقوم قاضي التحقيق بتعبئتها لاحقًا وفق التهمة التي يرغب لصقها بهذا أو ذاك من المعتقلين. وهناك حالات كثيرة بحسب الشاهد، قام بها أهالي السجناء بدفع مبالغ مالية وصلت (10 آلاف) دولار إلى المسؤولين في سجن الفيصلية بالموصل ليس لإطلاق سراحهم وإنما لمعرفة مكان احتجازهم أو للتخفيف من قسوة ظروف الاحتجاز. وتحدث المواطن (أبو رسول) 38 عامًا، من بغداد، عن التعذيب الذي تعرض له ابن أخيه في سجن المطار في بغداد الذي أدى إلى مفارقته الحياة قائلا: توفي ابن أخي، الذي لم يبلغ سن الـ18 عامًا، بعد أيام قليلة من اعتقاله على يد القوات الحكومية بسبب التعذيب الوحشي الذي تعرض له داخل معتقله في سجن المطار بالعاصمة بغداد. شهادات مرعبة بشأن التعذيب تقول منظمة (هيومن رايتس ووتش) في تقاريرها إنها وثّقت شهادات مرعبة -بحسب وصف المنظمة- بشأن تعذيب معتقلين عراقيين وموتهم تحت التعذيب أو من جرّائه في السجون الحكومية المعلنة، وأشارت المنظمة إلى أن هذه الشهادات لا تعكس المعاملة الوحشية لمحتجزي وزارة الداخلية في العراق فحسب، بل أيضا عدم إحقاق العدالة من قبل السلطات الأمنية والقضائية عند وجود دليل على التعذيب. مؤكدة تقاعس الحكومة عن التحقيق في التعذيب والوفيات في الاحتجاز هو ضوء أخضر لقوات الأمن لممارسة التعذيب دون أي عواقب. وتوضح (هيومن رايتس ووتش) في كل مرة أنها وفرت معلومات كافية للتحقيق في ادعاءات التعذيب والموت أثناء الاعتقال، بما فيها مدد الاحتجاز وأماكنه والأشخاص الذي لعبوا دورًا. قدمتها إلى مكتب رئيس الوزراء والمفتش العام بوزارة الداخلية. لكن لم يتم إجراء تحقيق شفاف في ممارسات التعذيب والوفيات في السجون الحكومية ولم تنشر أي نتائج تحقيقية علنًا، وتم إفلات القادة المتورطين في الانتهاكات المبلغ عنها من العقاب كما هو الحال في العراق ما بعد الغزو الأميركي. أحكام قضائية مشكوك فيها تشكك جميع المنظمات الحقوقية المحلية والعربية والدولية بالأحكام الصادرة من القضاء ضد المعتقلين، لأن أغلبها صدر استنادًا على اعترافات أُجبر المعتقلون تحت التعذيب والترهيب بالإدلاء بجرائم لم يرتكبوها. وقد صدرت أحكام بالإعدام نُفّذت ضد معتقلين تعرّضوا للتعذيب، كما صدرت أحكام أخرى ضد معتقلين آخرين بناءً على اعترافاتهم تحت التعذيب بعلم القضاة أنفسهم؛ في خرق صارخ للدستور الحالي في العراق الذي يحرّم جميع أنواع التعذيب النفسي والجسدي والمعاملة غير الإنسانية، وينص الدستور أيضًا على: (لا عبرة بأي اعتراف انتزع بالإكراه أو التهديد أو التعذيب، وللمتضرر المطالبة بالتعويض عن الضرر المادي والمعنوي الذي أصابه، وفقا للقانون). كما أن "قانون أصول المحاكمات الجزائية" النافذ في العراق يحظر إساءة المعاملة والتهديد بالإيذاء والإغراء والوعد والوعيد والتأثير النفسي واستعمال المخدرات والمسكرات والعقاقير لانتزاع اعتراف. أنقذوا سجناء التاجي أطلق ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي (هاشتاغ) #أنقذواسجناءالتاجي الذي يعد صرخة أخرى سبقتها صرخات علّها تصل إلى من يهمه الأمر بعد أن ضاقت السجون على القابعين خلف قضبانها ويتعرضون داخلها إلى انتهاكات مفزعة وسوء معاملة ممنهج وحرمان متواصل من أبسط المقومات الحياتية والضرورات الإنسانية، ولاسيما في سجن التاجي وهذا ما أكد عليه بيان مشترك للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان والمركز العراقي لتوثيق الجرائم، الذي تضمن شهادات لمعتقلين داخل السجن المذكور. سجون مكتظة ومعدل إطلاق سراح منخفض كشفت مفوضية حقوق الإنسان الحالية في العراق عن سجون حكومية مكتظة بآلاف المعتقلين تم عزلهم فيها عزلًا طائفيًا ويعانون داخلها تفشيًا مرعبًا لأمراض السل والجرب والسرطان وغيرها، فضلًا عن تعرضهم إلى انتهاكات مروعة غالبًا ما يتم إخفاؤها من قبل إدارة هذا السجن أو ذاك. وما يزال معدل إطلاق السراح من السجون الحكومية المعلنة في العراق منخفضًا وفي أدنى الدرجات، حيث يتم احتجاز مئات آلاف الرجال والشبان والصبيان وحتى الأطفال، ناهيك عن حجم الخوف الرهيب الذي أبداه المعتقلون السابقون، الأمر الذي يجعل العثور على شهادات معتقلين سابقين آخرين على استعداد للتحدث صعبًا للغاية. مع ذلك، فإن أساليب التعذيب الموصوفة تتفق مع ممارسات التعذيب، التي تمارسها مختلف القوات الحكومية في العراق ما بعد الغزو، والتي وصفها محتجزون سابقون آخرون ووُثِّقت بالصور ومقاطع الفيديو التي نشر نزرًا يسيرًا منها المصور الصحفي (علي أركادي) في أيار/مايو 2017. يؤكد ناشطون حقوقيون أن جميع السجناء في العراق دون استثناء يعانون من سوء المعاملة وابتزاز ذويهم أثناء زيارتهم، وخصوصاً النساء اللاتي يأتين لزيارة أزواجهن أو أولادهن، فضلًا عن سوء التغذية والخدمات المقدمة لهم، واكتظاظ السجون بالنزلاء، وانتشار الأمراض المعدية، مشيرين إلى أن السجون الحكومية شهدت في الآونة الأخيرة وفاة العشرات من المعتقلين، وخصوصاً في سجني التاجي والناصرية؛ نتيجة لانتشار الأمراض والأوبئة وسوء التغذية، لكن السلطات والجهات المعنية تتحفظ على نشر عدد الوفيات والأسباب التي أدت إلى وفاتهم. الإفلات من العقاب في تزايد منذ 2003 وإلى اليوم لم يُقدّم للقضاء العراقي أيٌّ من مرتكبي جرائم التعذيب في السجون الحكومية المعلنة في العراق، ولم تُشكِّل حكومات الاحتلال المتعاقبة أي لجنة حقيقية للتحقيق في جرائم التعذيب وسوء المعاملة في سجونها، ولم تُقدِم على أي خطوة في سبيل إيقاف أو تقليل حجم ظاهرة التعذيب وخطورته، متخذة موقف المتستر على الجريمة، على الرغم من أن السلطات في العراق ملزمة باحترام اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو غير الإنسانية أو المهينة، التي انضم لها العراق رسمياً بموجب القانون رقم (30) لسنة 2008، إلا إنها لم تلتزم بموادها، خصوصاً فيما يتعلق بالمادة الثانية من الاتفاقية، فلم تتخذ هذه السلطات أية إجراءات تشريعية أو إدارية أو قضائية فعّالة بهذا الخصوص.