من يحدّد خطوات القوى والشخصيات الوطنية ومعاييرها، ولماذا، وكيف؟

مصطفى كامل

لا يخفى على أحد أن القوى والشخصيات الوطنية العراقية المناهضة للاحتلال الأميركي الإيراني المشترك، ومشروعه السياسي، مُهجّرةٌ، مُطاردةٌ، مُشتّتةٌ، مُجتثّةٌ، مُصادرةٌ أملاكها، ومحرومةٌ حتى من لقمة خبزها وكتب دراسة أبنائها، منذ 16 عاماً، وإلى ما شاء الله.

 

وقد أثبتت قوى وشخصيات بعينها، طيلة تلك السنوات المرّة ثباتها وقوة إخلاصها، وعانت في سبيل ذلك الكثير الكثير من المصاعب وبذلت دماءً وأموالاً، وهي تمضي في طريقها بقوة وثبات ووعي، رغم ما تتعرض إليه من هجماتٍ تتباين بين المزايدة والتخوين والتشكيك والتذاكي ونصب الفخاخ، وما تواجهه من تنافس مصلحي وعقد شخصية وأمراض سادية أيضا.

ومع احترام تلك الجهات الوطنية العراقية، قوى وشخصيات، لنصيحة كل ناصحٍ مخلص، وحاجتها إلى توسيع قاعدة الرأي الصادق الأمين حتى من خارج صفوفها، بل حتى من قوى وشخصيات عربية ودولية متنوعة، ومع ضرورة الاستفادة من تجارب الأمم والشعوب والأحزاب والهيئات والشخصيات التي واجهت ظروف احتلالٍ أو صنعت ثوراتً، فإنها، وقد نضجت بلا غرور، لا تسمح لمن يريد أن يُزايد عليها أو أن يتذاكى باستمراره في هذه اللعبة التي يُمارسها وهو يحتسي فنجان قهوته وتلهو أصابعه على لوحة مفاتيح هاتفه المحمول أو جهازه اللوحي، كما لم تسمح، من قبل، لهذا الطرف أو تلك الجهة بجرّها إلى فخاخٍ سياسية منصوبة بخبثٍ.

ومع أن كلاً معرّضٌ للزلل، لا قدّر الله، إلا أن ما واجهته هذه القوى والشخصيات من ضغوطٍ ومن مُغرياتٍ، طيلة أعوام العسف والظلم الستة عشر، وثباتها على طريق الحق، جعلت منها، أي من تلك القوى والشخصيات، معايير للثبات وموازين للمبدأية والصدق، وهي معايير عُمّدت بالدم، واختُبِرَت بالثبات، وهذا توفيقٌ من الله عزّوجل.

كما إنه ليس محتّماً على تلك القوى والشخصيات، وقد اتّضح ثباتها وعُرِفَ التزامها وبانَ صدقُها بتجارب السنين الستة عشر، أن تُبدي رأياً في كل قضية، وهي ليست مُجبرةً على أن تنحاز لهذا الطرف أو ذاك؛ حتى في ظلّ الاستقطابات الحادة الحاصلة في الوطن العربي الآن، بل عليها أن تتلمّس طريقها بعناية، بحسب خياراتها وبحسب ما يُتاح لها؛ في الزمان والمكان المحددين.

فهذه القوى والشخصيات الوطنية المناهضة للاحتلال ومشروعه السياسي، تُعادي من تُعادي بحسب أولوياتها، وتُهادِن من تُهادِن بحسب أولوياتها، وتتحالفُ مع من تتحالفْ معه بحسب أولوياتها، وتغُضُّ الطّرفَ، مرحلياً، كلياً أو جزئياً، عمّن تغضُّ الطّرفَ عنهم بحسب أولوياتها. أولوياتها هي، ومعاييرها هي، وليس أولويات ومعايير غيرها. وبتعبير آخر، وبكل شرف، أولوياتنا نحن المناهضون للاحتلال ومشروعه السياسي في وطننا، وهي ليست أولويات شخصيةً وليست نابعةً من مصالح فردية ومنافع ذاتية، وليس بحسب أولويات هذا الطرف؛ العربي أو الإقليمي أو الدولي؛ أو ذاك، ولا بحسب معايير هذا الشخص المقنّع أو ذاك المرتزق المنتفع.

نحن من يحدّد خياراتنا وضوابط تحركاتنا ومعاييرنا، فنتشدّد هنا، ونتحلّى بالمرونة هناك، ونتكلمَ هنا ونسكتَ هناك. كلُّ حالة بحالها، زماناً ومكاناً وتفاصيلا، فليس لأحدٍ، كائنَ من كان، أن يحدّد لنا معالم طريقنا ولا أيَّ سلاحٍ نستخدم في هذه المعركة أو تلك.

كما إننا، نحنُ لا غيرُنا، من يوزّع الأدوارَ فيما بيننا، على وفق ما هو متاحٌ لكلٍ منا، وبحسب قدراتِ وإمكانياتِ وعلاقاتِ هذا الطرفِ أو ذاك، وهذا الشخصِ أو ذاك.

العمل السياسي في ظروفٍ كالتي تواجهها القوى والشخصيات المناهضة للاحتلال، بالغ الصعوبة والخطورة، ومتشعبٌ إلى حد التفاصيل الدقيقة، ومحاطٌ بالحذر والسرية، وهو ليس شعاراً يُرفع في مظاهرة، تنفضُّ بإيصالها رسالةً ما، أو منشوراً يُكتب على صفحات "فيسبوك" أو تغريدةً يكتبها أحدهم في حسابه على "تويتر".

كما أن العمل السياسي ليس رواية أدبية يُبحِر كاتبها في لجج الخيال، وينسج لها سيناريوهاتٍ وحبكاتٍ درامية، بل هو فهمٌ للظروف الذاتية والموضوعية، وتقديرٌ لموازينَ القوى وقدراتِ المتصارعين على الجبهات، وإدراكٌ للمعادلات المحيطة وتحليلٌ لمعطياتها، وإنضاجٌ لمهماتٍ بعينها على وفق أساليبَ وطرائقَ مرسومة وليست عشوائية، وبرؤيةٍ مبدأيةٍ شاملةٍ متنورةٍ وقابلة للمرونةٍ وفق المتاح من فرصٍ ووفق الممكنِ من قدرات.

وإذ تستخدم هذه القوى والشخصيات وسائل الإعلام التقليدية أو برامج التواصل الاجتماعي لنشر أفكارها وتعبئة جماهيرها، فإنها لا ترى في العمل الإعلامي ترفاً على قاعدة الليبراليين المتلخّصة بعبارة "قل كلمتك وانصرف" بل تراه مسؤولية وضرورة نابعة من مهامٍ محددةٍ وفق ظروفها الزمانية والمكانية، وعلى ما تتيحه تغيرات اتجاهات السياسة الإقليمية والدولية المتشابكة بشراسة.

وليست المرونةُ في العمل السياسي وفي قيادة الدول وفي إدارة الأزمات بدعةً مرفوضة، ولا سبيلاً مستنكَراً، بل هو قاعدةٌ راسخةٌ من أساسيات العمل السياسي ذي الهدف التحرري، ولنا من تاريخ أمتنا المجيد الكثير من الأمثلة التي تؤكد ذلك، لعل "صلح الحديبية" الذي أبرمهُ القائد المؤسس للدولة العربية الاسلامية، الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم، مع أعدائهِ من قريش خير دليلٍ عليها.

المرونة والثبات، الصادق المبدأي، جناحان لا ينهضُ العمل السياسي إلا بهما، ولن يتحرَّرَ العراق من المحتلين، أميركيين أو إيرانيين، ومن عملائهم، ومن مشروعهم السياسي التدميري إلا إذا اعتُمدَتا سبيلاً للقوى والشخصيات المناهضة المقاومة، كلٌ حسب ما يتاح له  من ظرفٍ وما تتوفر له من إمكانياتٍ وما تنفتح أمامه من نوافذ، والله الموفق والمستعان.


comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :133,411,180

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"