سرقة آثار العراق... قطعةً قطعةً منذ عام 1991

لم يسلم أي موقع أثري عراقي من النهب خلال العقدين الماضيين. كثيرٌ من القطع المسروقة والمهرّبة لا تقدر بثمن، تم استخراجها واقتلاعها من أراضي البلاد عبر جماعات تخصصت بمجال تهريب الآثار. 

ومنذ عام 1991، تستمر هذه العصابات بتصدير لوحات فنية تعود للعصور البابلية والسومرية، من مواقع في سامراء وبابل وكربلاء وذي قار، ولم تنته باحتلال تنظيم "داعش" بتحطيم تماثيل تعود إلى آلاف السنين قبل الميلاد، في نينوى، وبيع أخرى إلى دول مجاورة، منها الخليج العربي والأردن وتركيا ثم إلى أوروبا، وصولاً إلى الولايات المتحدة الأميركية، لتبقى في أيد مجهولة، تحصنها بطريقة سرية، ولا تظهر هذه القطع إلا في المزادات السرية التي تسعى الحكومة العراقية الحالية لمراقبتها واسترجاع ما يمكن استرجاعه من الآثار. 
وتشاركت مع تنظيم "داعش" عصابات عراقية محلية وميليشيات ومافيات الجريمة المنظمة، إذ كشفت مصادر محلية عراقية، عن "تهريب مئات القطع الأثرية التي عثرت عليها تلك الجماعات، عدا "داعش"، من دون معرفة القيمة الحقيقية أو النقدية لهذه المخطوطات والألواح والقطع والتماثيل الصغيرة والأختام"، مبينة أن "كثيراً من التماثيل الصغيرة بيعت من قبل العصابات بمئات الدولارات، لسماسرة أتراك وعرب من دولة الإمارات ومن آخرين على علاقة بأشخاص مهتمين بالآثار بالكيان الصهيوني المحتل لفلسطين، مع العلم أن بعض هذه التماثيل يساوي ملايين الدولارات"، وفقا لقوله. 

ولم تستطع الحكومات العراقية منذ عام 2003 ولغاية الآن، إحصاء عدد الآثار والقطع الأثرية المهربة من البلاد، وذلك لأن غالبية الآثار التي هرّبت خلال فترة الانفلات الأمني الذي استمر حتى خروج القوات الأميركية من العراق عام 2011، كانت تتم عبر العصابات التي اعتمدت على المواقع النائية وبعض الأراضي غير المنقبة أصلاً، ولكنها فاتحت في وقت سابق، منظمة "يونسكو"، بشأن المطالبة بإعادة الآثار المهرّبة بناء على مخاطبات رسمية أجرتها وزارة الثقافة العراقية. 
في هذا السياق، قال وزير الثقافة والسياحة والآثار العراقي عبد الأمير الحمداني، في حديثٍ، إن "العراق يشهد تعاوناً مع دول العالم بشأن استعادة الآثار المهربة، وهناك كثير من القطع الأثرية بصدد استلامها بشكل رسمي"، مبيناً أن "آخر المستجدات على هذا الصعيد، هو تمكن الشرطة البريطانية من السيطرة على (حجر بابلي) يرجع إلى العصر الكاشي، ويعود إلى منتصف الألف الثاني قبل الميلاد، وكان يستخدم عادة لتقسيم الحدود والأراضي كحجرة حدود، وهي ما تعرف بكودورو، وقد تواصلنا مع سفارتنا في لندن وسيتم استرجاعها إلى العراق، وقد تأكد لنا أنها مستخرجة من العراق بطرق غير شرعية". 
وعن التهريب وآلية استخراج هذه القطع القديمة، أوضح الحمداني أن "تهريب الآثار بدأ في العراق بعد عام 1991، حين اقتحمت مجاميع متخصصة بسرقة الآثار مناطق جنوب العراق، واستمرت عمليات التنقيب غير القانونية من قبل هذه المجاميع لغاية عام 1999 حين أرسلت هيئة الآثار فرق تنفيذ وطنية للحد من هذه الظاهرة، وقد تم تدارك الأزمة، إلا أنها عادت خلال عام 2003 وما أعقبها، بسبب الفوضى وعمليات النهب، وما عُرف وقتذاك بـ(الفرهود)، لكن التهريب تراجع تدريجياً، لا سيما بعد تشكيل قوات خاصة لحماية الآثار"، مبيناً أن "شبكات المتاجرة بالقطع الأثرية والتماثيل وغيرها من الكنوز القديمة، لا علاقة لها بالأطراف السياسية، لأنها عبارة عن جماعات عراقية محلية، تقوم بعمليات النهب من خلال تجوالها في المناطق الأثرية، وهم يمتلكون الخبرة والأدوات، وهذه الجماعات على علاقة وطيدة بمنصات عربية في دول مجاورة، مثل الخليج العربي وعمان، وفي إسطنبول وبيروت، ثم تتجه إلى قارات أخرى بعد ذلك، ولا تظهر إلا في أوقات المزادات، لأن المتاحف الرسمية والمعروفة وقعت دولّها على اتفاقية لاهاي التي تحظر بيع وشراء القطع المهرّبة". 

وأضاف أن "جامعي التحف والقطع القديمة يجتهدون بطرق إخفائها، ويحرصون على عدم عرضها في الأماكن التي توجد فيها الشرطة الدولية، لأن العراق اتفق مع هذه القوة على أن تسيطر على أي قطعة تعود للعراق والقبض على المهربين والمتاجرين"، مشيراً إلى أن "العراق بصدد استرجاع قطع عراقية بابلية وسومرية من متحف (لوفر أبو ظبي) في الإمارات، الذي أخذ قطعاً عراقية من متحف اللوفر الأم، وهذا الأخير كان قد استخرج القطع وتصرف بها في الخارج، في الوقت الذي لم يكن للعراق قانون خاص يحمي ويمنع تهريب آثاره، والمهمة بخصوص هذا الملف طويلة لكنها ليست صعبة". 
رئيس حكومة نظام المنطقة الخضراء السابق حيدر العبادي سعى كثيراً خلال فترة توليه الحكم إلى محاسبة وملاحقة المتورطين بملف تهريب الآثار، وبعدما كشف القضاء عن تورط مسؤولين وبعض الوزراء، إلا أنه لم يتمكن، بسبب الضغوط السياسية التي مورست عليه من قبل أحزاب كبيرة، وأبرزها حزبه "الدعوة"، بالإضافة إلى الانشغال بالحرب على تنظيم "داعش"، الأمر الذي دفع الرئيس الحالي عادل عبد المهدي، إلى تضمين ملف الآثار في الخارج والمرتبطين بتهريبها من العراق في ورقة "مكافحة الفساد" التي تحدث عنها غير مرة، إلا أنه لن يتمكن من تحقيق أي تقدم بسبب تشعّب الملف وتداخل أطرافه من المسؤولين السياسيين وغيرهم من المنضوين ضمن ميليشيات ممولة من الحكومة العراقية نفسها، وهذا بحسب تعليق لعضو لجنة الثقافة والآثار في البرلمان العراقي السابق. 

وقال النائب السابق الذي طلب عدم الكشف عن اسمه إن "قضية تهريب الآثار لا تتعلق بالعراق وحده، إنما هي من القضايا الدولية التي شاركت فيها جهات داخلية، سياسية وغير سياسية، ومن الصعب استرجاع كل الآثار المنهوبة خلال وقت قريب"، مبيناً أن "لجنة الآثار في البرلمان السابق كانت قد شكّلت عشرات اللجان للتحقيق بالملف، لكنها لم تصل إلى أي نتيجة، وهذا هو ديدن اللجان التحقيقية، لأنها تشكل من أجل تسويف الملفات وليس حسمها". 

وبيَّن أن "مجلس النواب العراقي كجهة رقابية، من واجبه إقرار قوانين تُلزم الحكومة وتضغط عليها من أجل إعادة الآثار المنهوبة، لأنها تمثل تاريخ البلد وحضارته وثروته المعنوية، بل ومحاسبة المقصرين من المسؤولين ووزراء الثقافة السابقين لأنهم مقصرون بهذا الملف، ومنهم من التعاون مع الكيان الصهيوني، لأن (إسرائيل) هي أكثر المستفيدين من تهريب الآثار، كونها تعتقد أنها عائدة لها، وأن كل ما يتعلق بحضارة العراق القديم لا بد أن يكون على أرضها، ولا أستبعد أن تكون غالبية التماثيل البابلية المفقودة، موجودة في دولة فلسطين المحتلة لدى الصهاينة".

المصدر

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :133,410,673

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"