مباراة ودية أميركية – إيرانية على ملعب (الشعب) العراقي

نزار السامرائي

على خطين متوازيين تتحرك إيران والولايات المتحدة في الساحة العراقية بحيث يبدو للمراقب أنهما لن يلتقيا مهما امتدا، مع فارق واضح بين تحرك الطرفين، فالولايات المتحدة تتحرك بضجيج أعلى وحركة بلا قيمة ومن دون نتائج تحاول شدّ الانتباه إلى ما تقوم به من قبيل زيارة الرئيس دونالد ترمب إلى قاعدة القادسية في البغدادي غربي العراق، أو وصول وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو بطائرة نقل عسكرية إلى بغداد في زيارة لم يعلن عنها من ذي قبل، أو تحركات لعدد من قادة الجيش الأميركي في مدن عراقية مثل ما قام به نائب القوات الأميركي في العراق عندما زار شارع المتنبي في أحد أيام الجمعة حيث يزدحم الشارع الثقافي بوجود كبير للأدباء والمثقفين والفنانين، أو حديث متواتر عن إنزالات جوية هنا وهناك وإقامة قواعد جوية وبرية للقوات الأميركية في عدد من المدن العراقية، أو عملية استعراض القوة البحرية في منطقة الخليج العربي لتخويف إيران ثم لترد عليها طهران بقرار إرسال قطع من أسطولها إلى غربي المحيط الأطلسي، أي على مقربة من السواحل الأميركية، وكأن طهران تريد محاكاة دور الاتحاد السوفيتي في ذروة الحرب الباردة عندما كان يرسل بغواصاته وبوارجه إلى المنطقة نفسها.

أما إيران فإنها لا تعلن شيئا عن حركتها التي تتم بقوة دفع متسارعة ولكنها بصورة مباشرة وحتى ما يصدر عن الحرس الثوري من تهديدات فسرعان ما تحاول الخارجية الإيرانية تخفيف آثاره الدولية، وأحيانا نفي تمثيله للموقف الرسمي الإيراني، وداخل العراق فهناك عملاء إيرانيون يحملون الجنسية العراقية ويتفوقون على الإيرانيين أنفسهم في الحماسة لإيران أو لولاية الفقيه، هؤلاء الذين يتولون مهمات قيادة ميليشيا الحشد الشيعي الإدلاء بتصريحات نارية حتى ليخيل للسذج من الناس المصابين بضعف الذاكرة أنهم هم الذين قادوا معركة الشرف التي أخرجت الاحتلال الأميركي من العراق بعد أن كبدوه الخسائر التي اعترف بها في بيانات وزارة الدفاع الأميركية على الرغم من أن التحالف الشيعي بكل أدواته وما تسمى بقياداته ما كان لهم أن يحلموا بدور ماسحي أحذية لولا القوات الأميركية التي أخرجتهم من جحورهم وجاءت بهم من مواخيرهم، وما أكثر هؤلاء وما أعلى ضجيجهم في التصدي لخطط الولايات المتحدة بنقل وجودها العسكري من سوريا إلى العراق، في محاولة للإيحاء بأن تلك الخطوات هي جزء من خطة متكاملة الأبعاد لمواجهة النفوذ الإيراني المتنامي في المنطقة، وخاصة في بلاد الشام والعراق، هذا هو الذي رفع نبرة التفاؤل لدى بعض الأطراف التي ما تزال تراهن على الدور الأميركي في إخراج إيران من العراق، فعقدوا المؤتمرات وأصدروا المناشدات للشعب والقيادات العسكرية في الجيش الوطني للتهيؤ للاضطلاع بدورهم في قيادة المرحلة الانتقالية أو التجربة السياسية التي ستقام على أسسها.

إيران أشرّت لنفسها هدفا بعيد المدى في العراق وغيره من الدول التي أوجدت لنفسها موطئ قدم فيها، يوّمن لها إحكام السيطرة على المجتمع عن طريق التغلغل في بيئات مؤثرة، كالجامعات ومراكز التعليم بمختلف مستوياته، تاركة لغيرها جعجعة فارغة لا تلمس لها نتائج، أو التحرك على المناطق المختلطة والتي تعيش أزمات سياسية أو عرقية أو مذهبية، ليس بهدف إيجاد حلول حقيقية لها وإنما بهدف إيجاد مرتكز لإيران للتحكم في بعض الأوساط المغفلة والمتخلفة التي تظن أن خلاصها لا يأتي إلا من إيران، نستطيع أن نلمس في الآونة الأخيرة عدة خطوات في هذا الصدد  بدأت..

1 - بزيارة مسؤولين إيرانيين إلى ما يسمى بمفتي أهل السنة والجماعة في جامع أم الطبول، وكأنها محاولة لترجيح كفته في معادلة صراع محموم على رئاسة ديوان الوقف السني أو كأنها رسالة للسنة أن إيران لا تعترف بمن يمثلهم إلا هذا الشخص، حتى بدا وكأن إيران ومعها التحالف الشيعي قد غضا النظر عن الماضي المفترض لها الشخص في معاداة التشيع ونعته بأقبح الأوصاف.

2 – زيارة ممثل عن علي خامنئي إلى جامعة الرمادي مركز محافظة الأنبار التي كانت بحق رأس النفيضة في مواجهة الاحتلال الأميركي، وهي مدينة بل ومحافظة خالية من أي وجود شيعي، وبدلا من رفض هذه الزيارة نرى أن رئيس الجامعة يرحب بالزائرين على الرغم من أنهم لا يحملون أي مؤهل أكاديمي يسمح لهم بتفتيش الجامعة أو مراقبة عملها، مما يؤكد أن إيران تريد كسب عدد من المنافقين وعبدة الدولار بالانضمام إلى مشروعها كي تعلن أن مشروعها ليس مشروعا طائفي وإنما هو مشروع عابر للطائفية وإلا لما تمكنت من التمدد على الأنبار وكسب وجوه سنية تحت لافتة الإسلام المحمدي وكأن علماء الأنباء الذين خدموا الإسلام على مدى أربعة عشر قرنا كانوا على غير الدين المحمدي، ومع أن إيران تحتقر كل من يمد لها يدا للتعاون وتنظر إليهم كما نظر نابليون إلى الضابط النمساوي الذي أعطى فرنسا معلومات مكنت نابليون من الانتصار على النمسا، وذلك عندما رمى له بصرة ذهب ورفض مدّ يدّه إليه لمصافحته لأن اليد التي تتعاون مع العدو لا تصافح وإنما هي جديرة بالقطع.

3 – زيارة وفد إيراني من ممثلي الولي الفقيه إلى كركوك عندما نشبت خلافات بين الاتحاد الوطني الكردستاني والسلطة في بغداد حول رفع علم كردستان فوق أبنية مدينة كركوك، وإذا ما علمنا بأن الاتحاد الوطني الكردستاني يرتبط بعلاقات تخادم مع إيران فعلينا أن نتوقع أن هذه الزيارة جاءت لصب الزيت على النار، ولا أحد يعرف ما هي الصفات التي أهلّت هذه الوفود للقيام بهذه الزيارات إلا أن تكون استخفافا بكرامة بلد آخر، نحن نعرف أن السلطة الحاكمة في حدود المنطقة المحمية في كرادة مريم والمسماة بالخضراء، لا كرامة لها وأجمل ما تطرحه من مزحة سياسية وراء أخرى حديثها عن السيادة الوطنية عندما يتصل الأمر بكل الأطراف باستثناء إيران فإنها فوق كل اعتبار وطني سيادي أو غير سيادي.

4 – افتتاح المدرسة الشيرازية في سامراء على نحو لا وجود لمثله لا بالنجف ولا بكربلاء ولا في الكاظمية، مما يطرح آلاف الأسئلة الحائرة عن طبيعة خطط ما تسمى بالعتبة العسكرية في المدينة المغتصبة بشأن ما تبيته لها من مصير مجهول والتي قامت بتقطيع أوصال المدينة والسيطرة على مركزها ومنع أصحاب العقارات من الانتفاع من ممتلكاتهم وأموالهم لأنها تخطط لتجريد المواطنين مما يمتلكون أو التنازل عنها لصالح الوقف الشيعي أو ما تسمى بالعتبة.

هذه المؤسسات تبدأ بطرح نفسها بقفاز من حرير كما أن مؤسساتها تبدأ بتقديم خدمات التعليم الديني والذي يستدرج الفقراء والمعدمين وخاصة من السنة للقبول في المدرسة بل والإنفاق عليهم، ثم تتحول إلى مؤسسة تقلد ما يحصل في مشهد الإيرانية فتنتهي بعقود زواج المتعة لاستدراج الشباب إلى هذه الهاوية السحيقة التي ما لها من قرار.

5 – استيلاء الوقف الشيعي على جزء من أراضي النبي شيدت في الموصل وتحويلها إلى دكاكين باسم الوقف المذكور وتحويل إيجاراتها لصالح الوقف المذكور، وهذه الدكاكين فضلا عن أنها اعتداء على مدينة الموصل وتاريخ المدينة فإنها أي الدكاكين تخل بواجهة البناء الأصلي الذي حافظ عليه الموصليون آلاف السنين، وكل هذا يتم وسط ذهول المواطن من صمت السلطات الإدارية المحلية كأنه صمت أهل القبور، فإننا إذا سلمنا بأن نظام الحكم الذي أقامه الأميركيون هو نظام شيعي المرتكزات والقوائم، فهل يعني هذا أن السلطات الإدارية وصلت إلى هذا الحد من التخاذل والجبن؟

وغير هذه الخطوات، كثير مما حصل في مدن أخرى، وخاصة المدن التي استولت عليها الميليشيات بعد خروج داعش منها، والتي ما تزال مستعمرات مغلفة للميليشيات ولا يسمح لأهلها بالعودة إليها مثل جرف الصخر وغيرها كثير ولا تقدم الميليشيات تبريرا منطقيا لمنع السكان من العودة إلى مدنهم مستظلة بمظلة الصمت الدولي والمنظمات الحقوقية والإنسانية.

وإيران تقتفي بذلك خطوات الحركة الصهيونية عندما قامت بزرع المستوطنات والمستعمرات قبيل قيام (إسرائيل)، والتي تحولت بعد ذلك إلى قاعدة انطلاق لها في التوسع على حساب المناطق المجاورة حتى استكملت احتلال فلسطين، مع الأخذ بنظر الاعتبار أن الديانة اليهودية لا تقبل في صفوفها إلا المنحدرين من سلالة بني (إسرائيل)، أما التشيع فهو دين توسعي يستقطب إليه الخائفين والمنتفعين وعبدة الذهب والفضة وحتى أولئك الذين يعيشون على فتات موائد المحتلين أيا كانت جنسياتهم، وقد سجل تاريخ العراق أكبر قدر من تداعي جدار العفة والحصانة الوطنية أمام ما يقدمه المحتلون من مغريات زائلة.

 أما الولايات المتحدة فلا تقوم إلا بحركات استعراضية أشبه بأفلام الأكشن أو الغرب الأميركي "رعاة البقر" هدفها من ذلك كله استقطاب أوسع قدر من الانتباه وشدّ الأعصاب، وكي تحافظ على ثقة أصدقائها أو المراهنين على دورها بإلقاء قارب النجاة لهم في ساعة العسرة سواء كانوا عراقيين أو دولا إقليمية، وفي الوقت نفسه تضمن أنها لن تخسر طرفا ما تزال تنظر إليه على أنه صديق قديم لن يفرط بعقد الزواج الذي سبق وأن تم عقده في عهد شاه إيران، وبالتالي يمكن أن تزال حالة النشوز التي تمر بها دولة الفقيه وتعود لبيت الطاعة بعد أن يتم تدجينها على مقاسات دولية حديثة.

والأمثلة على أن السياسة الأميركية لا تمتلك الإرادة أو الحد الأدنى من الجدية في مواجهة النفوذ الإيراني في العراق ودول المنطقة، أن هناك أكثر من مطلوب بتهمة الإرهاب الدولي يتحرك في مناطق نفوذ القوات الأميركية وخاصة في العراق ويتحركون بطول قامتهم وبحماية القوات الأميركية، ولم يتم إلقاء القبض على أي منهم كما تفعل مع أشخاص تشك أو تزعم بأنهم من تنظيمات "إرهابية" لمجرد أنهم معارضون لها من السنّة، ولا نريد أن نخوض في ذكر الأسماء فهي لا تستحق منا مجرد الإشارة إليها، ولكن هناك قادة الحرس الثوري الإيراني الذين تحركوا غير مرة بحماية الطيران الحربي الأميركي على الرغم من أنهم مطلوبون على لائحة الإرهاب الأميركية، وتواصل إدارة ترمب استنساخ "العار" الأميركي كما وصفه بومبيو في كلمة ألقاها أمام الجامعة الأميركية في القاهرة، والذي ورثته عن إدارة أوباما، ولا أحد يدري كيف سيغسل بومبيو أو سيد البيت الأبيض ذلك العار؟ هل بالدعوة إلى عقد مؤتمر دولي بشأن إيران والشرق الأوسط في بولندا؟

هل وصلت إيران إلى هذا القدر من القوة بحيث تحتاج إلى تحالفات دولية أو عقد مؤتمرات عالمية لمواجهتها، وهنا لا بد من طرح سؤال ظل يدور في عقول معظم العراقيين، لماذا تضافرت أموال عرب الخليج العربي مع تكالب نوايا الشر الأميركي والأوربي لقتل العراق وشعبه بحيث لم يتطلب الأمر جزء يسيرا من هذا الصبر والأناة المبذولين مع إيران حاليا، فبادروا لإرسال كل أدوات الموت والدمار إليه، العراقيون يريدون أن يعرفوا أين تختفي الحقيقة، هل لدى نظم خليجية كانت ترى في عراق قوي تهديدا جاثما على صدرها أكبر حتى من تهديد إيران المسلحة بالقوة العسكرية والمدعومة بعقيدة توسعية تريد فرض نفسها على سائر المسلمين؟ ولا تخفي أدوات هذه القوة من تلك المشاعر شيئا بما فيها السيطرة على أرض الحرمين الشريفين؟ إذن أين الإرادة العربية في التصدي المزعوم للتوسع الإيراني؟ هل تنحصر حدود ذلك في الشعارات والقنوات الفضائية والمؤتمرات والأموال المهدورة للعدو والصديق من دون تمييز؟

إذا كانت أميركا جادة في موقف حاسم من إيران فليس أمامها إلا أن تراقب حركة الأموال من العراق إلى إيران، أما الحديث عن دعم إيراني للميليشيات في العراق فذلك أمر انتهى مع الأزمة الاقتصادية في إيران وباتت طهران هي التي تستجدي الدعم من عملائها، وليس هناك أكثر أموالا ضائعة من العراق كي تتسرب إلى مقاصد شتى في إيران.

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :133,412,277

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"