اطلبوا العلم في الصين

محمد عارف

هكذا هي الصين وعلومها يصّح فيها القول المنسوب للرسول صلّى الله عليه وسلّم «اطلبوا العلم ولو في الصين»، فما أن تتأخر يوماً عن متابعتها حتى تجدها قد تغيّرَت. في العام الماضي بلغ عدد أوراق البحث الصيني في العلوم والتكنولوجيا 426 ألف ورقة، مقابل 409 آلاف ورقة أميركية، حسب معطيات «مجلس العلوم القومي في الولايات المتحدة»، والتي تذكر أن «زخم هذا التغير يجعل الصين تتخطّى الولايات المتحدة بسرعة خارقة، حيث ضاعفت بحوثها في العلوم والهندسة 5 أضعاف، ما بين عامي 2003 و2016».

وفي الابتكارات التكنولوجية تتحرك الصين، مثل كائنها الخرافي المارد «التنين». ففي عام 2012 بلغت نسبة إنفاقها على البحث والتطوير 34% من إنفاق أميركا، وقفزت النسبة عام 2016 إلى 88%، والمتوقع أن تفوقها عاجلاً. فموازنتها في البحوث العلمية الأساسية عام 2016 أكثر من 14 مليار دولار، وهي أعلى بنسبة 19% مقارنة بعام 2015. وعند حساب عدد الباحثين الفعليين تأتي الصين في المرتبة الثانية بعد أوروبا، فيما أميركا في المرتبة الثالثة. وتُقلقُ أوروبا سرعةُ نمو عدد باحثي الصين، خصوصاً في الابتكارات، وهي تدرك أن احتلالها المركز القيادي حالياً يتدهور بسرعة فائقة جداً، لأن مؤشرات تحسن الأداء الصيني تفُوقُ سرعتُها ب7 أضعاف سرعةَ المؤشرات الأوروبية.
و«قد يعني حجم أوراق البحث العلمي، مع تدهور عدد الطلاب الأجانب في أميركا، بداية نهاية القرن الأميركي». ذكر ذلك «ريتشارد شروك»، الأستاذ في جامعة «كنساس» الأميركية، والذي يتابع «كيف تنفق أميركا مبالغ ضخمة على السلاح، وتفعل الصين العكس». وحذر علماءٌ أميركيون عدةٌ من «اندلاق سياسة الحرب التجارية التي يشنها ترمب على العلوم، فيما تتحول الصين الطَّموحُ من اقتصاد التصنيع إلى الابتكار، وتتوجه نحو شركاء متعاونين، مثل (إسرائيل)، وروسيا، وبلدان الوحدة الأوروبية، وكندا وأستراليا». ورغم التزاحم الشديد على مكانة عليا في «جدول الابتكارات العالمي»، والذي يضم 126 دولة، فقد قفزت الصين من المرتبة 29 في عام 2015 إلى المرتبة 17 في عام 2018. 
و«ستنجح الصين في بناء صناعة تكنولوجية تمكنها من منافسة الولايات المتحدة حتى ولو شرع ترمب في الحرب التجارية لوقفها». ذكرت ذلك «نيويورك تايمز» في تقرير مسهب عن مدينة «دونغاون» التي كانت تعتبر «بحراً عظيماً من القوة البشرية، لكن بسبب تضاعف أجور العاملين، وقلة اهتمام العمال الشباب بعمل المصانع، احتلتها صفوف من روبوتات طنانة يقوم كل واحد منها بدور 15عاملاً». وهنا تتحقق خطة «صنع في الصين عام 2025»، والتي تمثل طموح الصين لإعادة تجهيز صناعاتها للتنافس في ميادين مهمة، مثل الأتمتة، ورقائق الكومبيوتر، والسيارات ذاتية القيادة. وهذه ليست أهداف تروّج لها قيادة «الحزب الشيوعي الصيني»، بل «سياسة يجري التحرك فيها من الأسفل للأعلى، من عالم الأعمال والمدن عبر الصين، التي تدرك أن عليها أن تتطور أو تندثر».
وفي سبعينيات القرن الماضي كان الزعيم الصيني «دينغ خياو بينغ» يدعو إلى أن يصبح للصين ألف باحث موهوب، وشرع بإرسال مئات المبتعثين للدراسة في الجامعات الأميركية. آنذاك «كانت مصر بالمقارنة أحسن حالاً من الهند والصين»، حسب الأكاديمي «انطون زحلان» في كتابه «العلم والسياسة العلمية في العالم العربي». ويتطلع العرب اليوم إلى نصيب يأتيهم به خبراؤهم من الصين، وباللغة الصينية. وقد بادرت دولة الإمارات العربية المتحدة إلى إنشاء «مركز الشيخ زايد للغة العربية والدراسات الإسلامية» في «جامعة بكين للدراسات الخارجية»، وفي أبوظبي أقيمت «كلية تدريس اللغة الصينية» عام 2010، و«معهد كونفشيوس» في «جامعة دبي»، وكان الأول من نوعه في المنطقة. و«أينما تذهب اذهب بقلبك كله»، حسب «كونفشيوس»، وهذه حكمة أول رحلة قام بها الرئيس الصيني «شي جين بينغ» إلى المنطقة عقب إعادة انتخابه في آذار/مارس الماضي، وقد استهلّها بزيارة دولة الإمارات.

نشر المقال هنا

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :133,412,964

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"