أجرت لجنة الأمم المتحدة للقضاء على التمييز العنصري، على مدى الأيام من 27 إلى 30 تشرين الثاني/ نوفمبر 2018 عملية مراجعة لمدى تنفيذ العراق لالتزاماته بموجب اتفاقية الأمم المتحدة للقضاء على كافة أشكال التمييز العنصري.
وفي بداية عملية المراجعة قدم المدير التنفيذي لمركز جنيف الدولي للعدالة، ناجي حرج، شهادة شاملة عن انتهاكات حقوق الانسان في العراق أوضح فيها ان عملية التمييز هي في صلب النظام القائم منذ عام 2003، حيث يحكم البلد بأسلوب المحاصصة الطائفية، موضحاً أن أساس هذا النظام قد أوجدته قوى الاحتلال الأميركي/ البريطاني للعراق عبر المؤتمر الذي نظمته في لندن عام 2002 وسمَّت فيه ممثلين عن الشيعة والسنة والاكراد. وبعد الغزو جرى التطبيق القسري لهذا النظام في العراق رغم المعارضة الشعبية العارمة له.
وأكد ان نظام التمثيل الطائفي هذا هو جوهر (الديمقراطية) التي فرضتها الولايات المتحدة بعد احتلال العراق، فرغم المعارضة الشعبية لهذا النظام، إلا أنه اصبح الاساس في توزيع المناصب القياديّة في الدولة. وهكذا بات نظام المحاصصة الطائفية يفرض ان يكون رئيس العراق كردياً، ورئيس الوزراء شيعياً، ورئيس البرلمان عربياً سنياً، كما يجري أيضاً تخصيص الوزارات وغيرها من المناصب العُليا على هذا الأساس الطائفي والعرقي، حيث حلّت المحاصصة الطائفية محلّ الكفاءة، بالكامل، كمحدّد أساسي لمن يُراد تعيينه في المناصب العُليا، مشيراً إلى أن هذا أدّى إلى فقدان المجموعات الأصغر من الأقليّات العرقية الفرصة، كليّاً، لشغل مناصب حكومية رفيعة.
واوضح تقرير مركز جنيف الدولي للعدالة أن السلطات العراقية فشلت في تنفيذ التزاماتها بموجب الاتفاقية المذكورة من خلال ممارسة التمييز العنصري بشكل مباشر في العراق، وأحد الأدوات الرئيسية لهذا السلوك التمييزي هو قانون مكافحة الإرهاب (القانون رقم 13 لعام 2005). وحيث من المفترض رسميا ان يُستخدم هذا القانون في المقام الأول لمواجهة التهديد الذي تشكله الجماعات "الإرهابية" إلا انه يجري استخدامه ضد المكون السني على نطاق واسع. واعتبر مركز جنيف ان عمليات تدمير مدن الموصل والفلوجة والرمادي وجرف الصخر هي جزء من توجهات السلطات التمييزية ضد السنة في العراق.
وأضاف ان السلطات تنتهك الاتفاقية من خلال دعم أطرافٍ ثالثة في سلوكها العنصري. فهنالك العديد من المليشيات تعمل في العراق رسمياً بعلم الحكومة العراقية للمساعدة فيما تسميه "جهودها ضدّ قوات داعش" إلا انها تحولت الى أداة للتمييز ضد العرب السنة وترتكب أبشع أعمال القتل والتهجير وحرق الأراضي الزراعية.
وأكد حرج وهو يستعرض تقرير الظل الذي قدّمه مركز جنيف الدولي للعدالة إلى اللجنة، ان الانتهاكات في العراق تستمر وتتزايد منذ عام 2003 كنتيجة طبيعية لنظام المحاصصة وكمظهر من مظاهر التصارع على النفوذ ومحاولة من يتسيدون المشهد تقوية نفوذهم في السلطة.
وعلى مدى جلستين، ناقش فريق الخبراء بشكل مستفيض التوصيات التي قدمها مركز جنيف الدولي للعدالة والتي تضمنت:
حل الميليشيات حلاً كاملاً، وعدم السماح بدمج عناصرها في القوات الأمنية والجيش لما ارتكبته من جرائم القتل والاخفاء القسري والتعذيب والتهجير وسرقة وحرق المنازل تحت ذريعة محاربة الإرهاب.
قيام الأمم المتحدة بالضغط على السلطات العراقية للكشف عن مصير كل المختطفين والمختفين قسرياً من كل المناطق في العراق، حيث قدم المركز معلومات موثقة عن كل ذلك الى اللجنة، ومنها وبصورة خاصة أولئك الذين تم اختطافهم من مدينة الدور في آذار/ مارس 2015 وعددهم اكثر من 150 شخص، وأولئك الذين تم اختطافهم من مدينة الصقلاوية في مايس/ مايو 2016 وعدد المعروفين منهم 643 شخص.
المطالبة بتعويض كل المتضررين من عمليات تنظيم داعش والقوات الحكومية والميليشيات ويشمل ذلك كل الاضرار التي حصلت خلال العمليات الارهابية أو العمليات العسكرية اللاحقة.
التشديد على ضرورة منع خطاب الكراهية المستشري خاصة من قبل المسؤولين الحكوميين الموجه ضد فئات معينة من الشعب، وضد المظاهرات والناشطين والصحفيين وكل من ينتقد ممارسات وانتهاكات السلطة واحزايها وفسادها.
مطالبة الأمم المتحدة بانشاء آلية قانونية دولية لتحقيق العدالة للشعب العراقي من خلال محاسبة كل المتسببين بالمآسي والانتهاكات التي جرت خلال الخمسة عشرة سنة الماضية.
وفد النظام يفشل أمام لجنة الأمم المتحدة ضد التمييز العنصري في جنيف
من جانبه، قدم وفد النظام العراقي في جلستين عقدتا يومي 29 و 30 تشرين الثاني، التقرير الحكومي، الذي تضمن، كالعادة، كلاماً إنشائياً منمقاً وخالياً من المضمون عن القوانين الموجودة.
وقد استغرق الوفد وقتا طويلا للحديث عن تنظيم داعش وجرائمه، لكن اللجنة أوضحت ان المطلوب هو بيان الإجراءات الحكومية لمنع التمييز ضد المواطنين في العراق، ومنهم الاقليات، وليس استعراض جرائم تنظيم ارهابي.
ونظراً لإخفاقه في تقديم ما هو مطلوب من قبل اللجنة، فقد واجه وفد النظام سيلاً جارفاً من الأسئلة التي وجهها خبراء لجنة الأمم المتحدة للقضاء على التمييز العنصري الذين أكدوا انهم يودون معرفة ما قامت به السلطات خلال السنوات الماضية لمكافحة ممارسات التمييز في العراق في ظل وجود ما يؤكد وجود إجراءات تمييزية.
وطالبت اللجنة أن تقدم السلطات العراقية معلومات تفصيلية عن جرائم الاختفاء القسري وما الذي قامت به للكشف عن المختفين قسرياً، بما فيهم أولئك الذين اختفوا في الحرب على داعش في مدن الصقلاوية والرمادي والدور وجرف الصخر وغيرها، وطالبت الوفد بتوضيح إجراءات الحكومة بشأنها، وتقديم إجابات محددة بعيداً عن الخطابات الانشائية.
وفي جانب آخر طرحت اللجنة تساؤلات عن قانون اجتثاث البعث باعتباره قانوناً يجافي المعايير الدولية.
وفي ظل الضغط الذي مارسه خبراء اللجنة الأممية من خلال أسئلتهم التفصيلية، عجز الوفد عن تقديم إجابات مقنعة، وظلَّ يدور في فلك العبارات الانشائية، والحديث عن نصوص القوانين ومواد الدستور، مدعياً ان النظام القائم في العراق حالياً لا يقوم على المحاصصة الطائفية، وهو الأمر الذي تم دحضه بوثائق وأشرطة فيديوية لأقطاب العملية السياسية في العراق يؤكدون فيها تثبيت نظام المحاصصة الطائفية وتقاسم السلطات على وفقه.
وستقدم اللجنة خلال أيام ملاحظاتها الختامية التي تطالب فيها سلطات بغداد باجراءات لتنفيذها وموافاة اللجنة لاحقا باجراءاتها العملية.
وكان العراق انضم إلى لجنة الأمم المتحدة للقضاء على التمييز العنصري عام 1970، وحسب الاتفاقية الدولية للقضاء على التمييز العنصري، فانه يتوجب على الدولة الطرف في الاتفاقية أن تقدم تقارير دورية، كل أربع سنوات، عن الاجراءات العملية لتنفيذ التزاماتها بموجب الاتفاقية.