إقتراباً من الأفلاك العالية.. إلى عبدالستار الراوي، أخاً وصديقاً وأستاذاً..

مصطفى كامل

برقّة وشفافية يأخذ بيديك إلى أطراف الزمن الجميل، سارداً عليك من الذكريات، ما يجعلك تعيش في عَبَقٍ فوّاحٍ من القيم والفضائل، راسماً بريشة فنان مرهف، صوراً رقراقة حالمة لأزقة بغدادية كرخية، كل ما فيها جميل مفعم بالذكريات الشفيفة.. أو وروداً يقطفها من حدائق الروح قبل حدائق التراب..

إنه أبو زينب..

ذلك العقل الباحث عن الحرية، المتلهف للعيش في أفيائها، الهادئ الحكيم، الذي بالكاد تسمع صوته، رقّة وخلقاً وعذوبة، كأنك في حضرة ولي صوفي مُحلِّق في سماوات الصفاء الروحي..
وهو أبو زينب..

الذي يغمرك بمحبة صادقة تتلمس وَهَجَها وأنت، بالكاد، تجتاز عتبة التواصل معه، لأنه المجبول على أن لا فاصل بين السريرة والعلن..

وهو أبو العز..

الفائض بفضائل النفس والعقل والروح.. المتشبّث بأحلامه النقية، نقاء قلبه المتوهج كبرياءً تليق به..

وهو أبو العز..

العزيز، الذي لم يُهادن، ولم تلعب بحكمته الأهواء، الذي اختار طريقه منذ نحو 60 عاماً دفاعاً عن العروبة والحرية، دفاعاً عن فلسطين والعراق ومصر والأحواز، وسواها من أقطار الأمة.. فالكل عنده سواسية، لا فرق بين حارة زنغو الكرخية وأخرى في القاهرة أو الشام، هكذا نشأ، وهكذا أنشأ..

 

 

انه عبدالستار الراوي، أقولها هكذا بلا ألقاب، وهو أخي وأستاذي وصديقي، مقترباً من أفلاك مداراته العالية..

 

عزيزي المناضل عبدالستار الراوي

اليوم، وفي ذكرى ثلاث سنوات بعد سبعينية العمر الجميل، أكتب إليك لأحييك أولاً، ولأقول لك انها صورة العمر الأجمل، أن يكون تحرير العراق والأمة عنوانها، فأنا أدرك، جيداً، أن عينا عبدالستار الراوي، هكذا بلا ألقاب وأنت أخي وأستاذي وصديقي، لم تحيدا عن الهدف الوطني والقومي النبيل، مذ صَدَحَتْ حنجرته الغضَّة بأول هتاف باسم العروبة في شوارع الكرخ، ومذ شَرَعَ في كتابة أول حرف على لافتة قماشية في أزقتها التي أنجبت المناضلين، ومنهم، بكل فخرٍ، أهلي.

 

أخي وأستاذي وصديقي

برغم كل مصاعب ومصائب الحياة كنت أرى في جمرة عينيك، كلما إلتقينا، ذلك الحلم النبيل وذلك العزم الأكيد وتلك الثقة المبصرة بقدرة الأمة على النهوض والتحرر والانعتاق، وحين اتصلت بك أهنئك بسقوط الفرعون الجاسوس، كنت كما أعرفك، وكما أنت منذ نحو 60 عاماً تتدفق عنفواناً واستبشاراً وثقة بأن الأمة وجناحاها، في العراق ومصر، ستحلِّق في الأعالي من جديدٍ.

 

 

ثم كيف لي أن أكتب عنك، كيف لي أن أحصي فضائلك التي أعرفها عن قرب، علماً وخلقاً وإحساناً وبراً.. وروحاً شفافة مثل الماس، صلبة ورقيقة في آن معاً، حتى ليخال الناظر إليها أنها تذوب رقّة وحياء، لكنها تنتفض مثل نسر إذا مُسَّت كرامة الوطن أو جارَ أحدهم على ثوابت العمر، التي لامحيد عنها منذ حارة زنغو.

وكيف لي أن أكتب عن ذلك القلب الرقيق، الأليف، الفائض سماحة ورقة وعذوبة وحباً للخير وبذلاً لا ينتهي، دون منّة وبلا حساب..

أذكر أننا ذات يوم كنا معاً ونبح علينا، وعلى مشروعنا الوطني العملاق، أحدهم، وحينما غضبتَ وفارت فورتك، ذكرت لك قول العزيز المنتقم الجبار "وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما"، فرقَّت نفسك وسكنت ثورتك، ومضينا نشرب القهوة بصحبة رفقة طيبة ونستلذ بسيجار كوبي في أمسية تشرينية جميلة.

أيها الحالم الشفاف، والمنتفض كبرياء وكرامة وعزة، أيها الكريم الأصيل، أيها الرفيق الرقيق، أيها الفنان الشغوف بمواطن الجمال، في سبعينيتك الجميلة أسأل الله في عليائه أن يمدَّ في عمرك ويقرَّ عينيك بنصر الأمة في العراق وفلسطين.

لك محبتي أبداً، وأنت بها أعرف..

 

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :134,150,037

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"