يوم النكبات السياسية في العراق

عبد الكاظم العبودي

يسجل التاريخ الثالث من ايلول/ سبتمبر 2018 يوما اسودا كالحا في تاريخ العراق على مر العصور، نظرا لاقترانه وتزامنه مع أكثر من نكبة وكارثة تحل بذلك اليوم الاسود في تاريخ الشعب العراقي فهو :
- اليوم الذي يدعو فيه فؤاد معصوم، والمسمى رئيساً لجمهورية العراق، وهو الشخص والمؤسسة الفاقدة لشرعية الرئاسة، ومنها يبدأ مضمار سباق جديد فاسد من خلال الدعوة الى افتتاح الجلسة الاولى لبرلمان قديم/ جديد ، مُزَّور حتى النخاع، ثبتت كل الادلة والقرائن والتحقيقات المحلية والدولية ان النسبة الاعظم من الذين سيحضرون في اجتماع المزورين في 3/9/2018 قد وصلوا الى مقاعدهم النيابية بتزوير، وبفضائح، يندى لها جبين "الديمقراطية" وما يسمى بالتعددية والعملية السياسية التي سقطت سقوطا حرا ونهائيا منذ عهد بول بريمر، وظل خرابها يكمن بدستور شاذ عن كل ما تشير اليه دساتير الدول التي تحترم شعوبها وبلدانها.

- في الثالث من ايلول / سبتمبر يعقد البرلمان الكسيح جلسته الاولى، وصراع الاجنحة فيه، أشبه بصراع ديكة السيرك ، حيث تجري عروضهم واصطفافاتهم كالقطعان لتشكيل ما يسمى "الكتلة الاكبر" او ما تسمى "الاغلبية البرلمانية" من بين افراد نفس الحيتان، وفق تقاليد بازار تجار السياسة وبالسلعة الفاسدة، تجري فيه عقود البيع والشراء، العلني والسري، دون استحياء من شعب العراق الذي قاطعت اغلبيته بوعي مهزلة الانتخابات وصناديق الزيف وفضح شعبنا عمليات الفرز بكل اشكاله اليدوية والالكترونية، وأكدت الارادة الشعبية العراقية للعالم عدم شرعية تلك الانتخابات وعدم اعتراف الشعب العراقي بها كليا بسير اعدادها وتنفيذها وحتى بنتائجها، مسبقا.
- يجتمع برلمان المضبعة الخضراء في الثالث من ايلول/سبتمبر مرة اخرى بإشراف مباشر من قبل ممثلي الدول المحتلة والمتدخلة والنافذة في الشأن العراقي، ومعهم سماسرة وبورصات المال السياسي وتجارة رؤوس حيتان الفساد ومزوري الارادة الشعبية بتكريس محاصصات الانقسام والتقسيم للشعب العراقي المنكوب.
فهو برلمان فاقد للشرعية السياسية والاخلاقية والاجتماعية مسبقا، مهما تمخض عنه من نتائج وقرارات وتوزيعات تكرس ذات المحاصصة وبنفس العقلية والآليات المرذولة والمرفوضة في العرف السياسي لدى الذين يدينون تلك الممارسة اللا ديمقراطية بالاعتداء على خيار الشعب وعلى حقه في التداول على السلطة وادارة الدولة والحكومة المنتخبة من قبل ابناءه الاحرار والشرفاء.
- يجتمع البرلمان في الثالث من ايلول/سبتمبر والعراق بلد محتل رسميا، ومرتهن سياسيا لارادات وصراعات دولية يعكسها واقع تواجد القوات الاجنبية الاميركية واتساع ونفوذ وسيطرة قواعدها العسكرية في سائر انحاء العراق، وتسير ما تبقى من الدولة حكومة فاسدة تقودها ادوات وأجهزة الاحتلال الايراني الاستيطاني، وميليشياتها الدموية الطائفية، ومظاهر تدني وضع العراق، تتجلى في صراع الارادات الاجنبية على ثرواته، وفقدان هيبة الدولة العراقية؛ وبفرض واستعراض وسيطرة القوى والميليشيات الطائفية داخل وخارج المنطقة الخضراء والاستحواذ على الجانب الامني في مركز ومحيط العاصمة بغداد خاصة.
- يحل الثالث من ايلول / سبتمبر بغياب الجهاز القضائي والعدالة كليا في العراق، وارتزاق القضاة على فتاوى اللا قانون، والتلاعب بالقرارات وتزييف محاضر التحقيق والتعمد عن ادانة ومحاكمة الفاسدين، وأخيرا إقرار قوائم التزوير الانتخابي ، والمصادقة عليها من دون حرج أو غيرة من هزة من ضمير والتخلي عن شرف صيانة الحقوق والقانون، من قبل ما يسمى بقضاة مدحت المحمود وزبانيته، ممن احترفوا التزوير في المحكمة الاتحادية العليا، ترضية للفاسدين بسبب الاستحواذ على الامتيازات وقبض الرشى عالية الاثمان مسبقا، حيث جرى التراجع كليا عن التحقيقات التي أكدت تزوير الانتخابات.
وفي ظل تراجع الحكومة نفسها عن كامل اقرارها السابق الذي اعلنه رئيسها حيدر العبادي واعترافها الكامل بفساد المفوضية العليا للانتخابات وقبلها النزاهة واتهامهما رسميا بالتزوير الفاضح والموثق الذي حدث في الانتخابات الاخيرة وما قبلها على كافة المراحل والاساليب والقرائن والنتائج داخل العراق وخارجه، والذي بات يعرفها الرأي العام الوطني والدولي.
ومرت الايام والسنوات دون ان يقدم للقضاء أو يُدان فاسد واحد في كل ما جرى ويجري في العراق.
- في الثالث من ايلول/سبتمبر تجري مسرحية يوم الافتتاح، لما يسمى "البرلمان" ومحافظات العراق المنكوبة بكل ويلات العصر تنام وتصحو على وقع وكوابيس القهر والتهديد والقتل والاغتيال والخطف ويلحق بها ضيم بعد ضيم أشق وأمر ، لا مثيل له، وهي تحاول منتفضة بما تيسر لديها من ارادة وطنية ضد الفساد والجوع والقهر والمرض وتعمق وتتالي ازمات النكبات المتتالية عليها، للأسف لم تجد من يناصرها من ضمائر وشرفاء هذا العالم الذي يتغنى بالحرية بالحقوق والديمقراطية الا القليل النادر ، وهي محافظات خرجت بملايينها الجريحة دفاعا عن مطاليبها وقبلها عن كرامتها الوطنية الجريحة تضمد جراحاتها وهي لا زالت تقف شجاعة في ساحات التظاهر، وتواجه الرصاص ولا زالت دماء شهداء الانتفاضة لم تجف بعد عن شوارع البصرة وميسان والمثنى وكربلاء والنجف والقادسية وبابا وبغداد ومدن أخرى عديدة ، ويتجاهل العالم والامم المتحدة انتشار مخيمات الشعب العراقي المنكوب ضائعة، وتتصاعد ارقام نكبتها مع وجود الملايين المعذبة من النازحين والمهجرين والمعتقلين والمطاردين داخل وخارج العراق.
وفي كل المعايير الاخلاقية والانسانية والسياسية هناك نكبة وطنية يتوحّد العراقيون وتشركهم آلام محنتهم الوطنية يسهرون بأرق امام سؤال المصير:
الى أين سيذهب العراق؟
وأمام كل الاسئلة هناك حالة غرائبية ممسوخة ومتفردة في شكل الصلافة والوقاحة، لدى مجموعات الارتزاق السياسي، التي تطبل لنتائج الانتخابات المزورة وتتحدث عن استحقاقاتها الاجرامية منها، تعكسها تصرفات مبتذلة ومدانة يندى منها جبين الانسان المتحضّر والمعاصر، وقلّما ظهرت صورة احوالها في كل بلدان العالم، بما فيها ذلك العالم المتخلف، نراها عندما يعود حيتان العملية السياسية وعملاء الاحتلالين الاميركي والايراني وهم يعيدون ذات الادوار في توزيع المناصب والتحاور والاجتماعات واطلاق المزايدات في توزيع ما يسمى حقوق المحاصصات بالرئاسات الثلاث، وهم عادوا، بكل وقاحة، يظهرون علنا في مشاوراتهم في صالات وديكورات القصور المنهوبة، يجلسون على تلك الكراسي المذهبة في قصورهم ومقراتهم التي نهبوها من مال الشعب العراقي وقوته وميزانية خبزه وراحته، وهم يستحوذون على صالات الفنادق المدججة بالأسلحة، تطوقها الحمايات وعصابات الجريمة المنظمة المنفلتة، يتناقلون هنا وهناك، تسوقهم عصا أميركية تارة، وأخرى فارسية تارة أخرى؛ يبيعون الولاءات مقابل بيع العراق، ويسعون لتشكيل تلك الحكومة الفاسدة المنتظرة التالية، خدمة لسماسرة الصهيونية وتنفيذا لأوامر المال والاعلام السياسي العربي والاجنبي الذي لا زال يضخ في جيوبهم ملايين الدولارات بكل عهره ودجله وخبثه لزرع المزيد من الخناجر ولدق أسافين التقسيم في جسد ومجتمع العراق، وتتم طعن خاصرة ابناء العراق بغدر وخسة، في اغتيال علني قلَّ مثيله موجه ضد ارادة شعبنا بمحاولة التسلط عليه لاذلاله بكل خسة ودناءة ولؤم وإجرام.
- في الثالث ستتجرأ كتل الانتهازيين والخونة والمزورين على دخول قاعة البرلمان لتختار ما تشاء من أزلامها وتشكيل مجموعات قطعانها، لإعادة ترميم سلطات باتت هشة ومتفسخة من رميم قديمها اكثر من جديدها، لتدشن عهد الوقاحة السياسية، بكل تجلياتها، من دون تأنيب من ضمير او الاتصاف ببقية من قيم بشرية واخلاقية تبرر لكل هؤلاء الاعلان عن دورة جديدة لبرلمانهم، هو برلمان بلا شرعية، وبشخوص وجوهه الكالحة قادم بسجل حافل بالمخازي، تاريخ أغلب مجتمعيه واعضائه حافل بالمفاسد والتزوير والنهب والاذعان للارادات الاقليمية والدولية.
وفي مسرحية بائسة قلّما شهد بلد في العالم مثيلها سيبدأ فصل جديد من مأساة العراق ويقيني ان هذا الفصل لن ينتهِ إلى خير مطلقا.
وعلى الجانب الاوسع من فصول المأساة والنكبة الوطنية في العراق يقف شعبنا معزولا ومشتتا ووحيدا ومنزوعا عن محيطه العربي والاقليمي بتآمر عربي واقليمي ودولي بآليات مبرمجة سعت إلى زرع اليأس في اوساطه واحباطه وانتزاع قراره الوطني المستقل، ومنعه من أن يأخذ بنفسه زمام الحراك والانتصار على كل هؤلاء المنبوذين من حثالات التاريخ وعفن رميم القمامات السياسية والاجتماعية المتفسخة.
وقد يبدو للبعض من الواهمين، من محبطي العزائم، ان شعبنا المنتفض يراوح في مكانه جريحا ومقموعا ومذلولا وغالبيته مستلبة باسم الدين والمذهب والطائفة والانتماء الاثني والقومي ويعيش حالة من الاتكالية على قدوم ذلك القدر المجهول للانقاذ، يروج له بين اوساطه أؤلئك المشعوذون من سياسي الصدفة، ومن مشعلي بخور الولائم السياسية يوعدونه بالخلاص والجنة الموعودة وينشرون هنا وهناك سيناريوهات باتت مضحكة ومشروخة يتداولها اليائسون حين تبشر بحلول وانتظار ذلك المنقذ، وكثير منهم من وضع الحل والربط بيد القرار الاميركي، تارة في شكل انقلاب عسكري أو "تحرير جديد" باعادة توزيع قوات الاحتلال وطرد عصابات إيران واتباعها، وقرب لحظة خلاص العراقيين على يد دونالد ترمب وعزمه بنفسه لتحرير العراقيين من قبضة المفسدين الذين اتى بهم الاميركيون انفسهم يوم التاسع من نيسان/ابريل الاسود 2003 الذي أسموه، بدلا من يوم الاحتلال البغيض، (يوم التحرير ) وها هو البعض من أؤلئك التائهين المكمّل لسيناريوهات التدخل يدجّلون ويبشّرون مرة أخرى بقرب (يوم تحرير) ثانٍ بعد 15 سنة من حكم احتلال أميركي ايراني بغيض، لم يترك من العراق زاوية أو مقام أو بناء او مؤسسة الا اسقطها وهدم أركانها بعبث بربري قلَّ مثيله؛ فتحول العراق إلى هشيم ودمار شامل ومدن مهدّمة ومهجورة وأخرى تتحسر عليه قطرة ماء شرب، وبدولة أمست أطلالا محترقة تتعرض يوميا إلى عصف ريح الازمات تذرو فيها دوامات الاعاصير كل شئ لتمحو ما تبقى من ذلك العراق.
-الثالث من أيلول/سبتمبر ليس نهاية التاريخ ولا ختام المطاف القاسي لشعب العراق، وليس بمحطة عابرة، ينتظر بها من ضللتهم الاحداث، ليتم خلاص العراقيين ب (معجزة) أميركية جديدة؛ بل ستكون لحظة من تاريخ شعب العراق الأبي، تشكل له منطلقاً للتأمل والتفكير ووضع الخطى المدروسة الواسعة والتقدم على سكة التحرير المحتوم، ولأن اجتماع العصابة البرلمانية في الثالث من أيلول/سبتمبر لا يغير من موازين القوى، كما يحسبها البعض، بتعداد أصوات القطيع الانتخابي المزوّر والمدجّن، فهم يعرفون، قبل غيرهم، أن المستقبل القريب سيكشف في أيامه الحبلى بالغضب القادم وزن الشعب العراقي وقوته.
سوف تميل الكفة، وبشكل نهائي، وجارف إلى ظهور الكتلة الاكبر من ابناء شعبنا الصابر المكابر والتي حسمت امرها في الشروع بالتغيير الثوري التاريخي، منذ ان ابتدأت خطواتها بتصميمٍ قلَّ نظيره باعلان مقاطعة شاملة للانتخابات في 12 ايار/ مايو 2018 حيث عرّت جماهيرنا مهزلة تلك الديمقراطية الجرداء، وفضحت بطون وافخاذ وعشائر وقبائل واحزاب ومرجعيات الفساد السياسي والاجتماعي في العراق، وشخّصت المقاطعة الشعبية والمظاهرات والاعتصامات التي أجبرت الحكومة وعصابات العملية الانتخابية وهيئة الانتخابات واجهزة القضاء الفاسد على عدم اعلان نتائج التزوير ل3 اشهر ، انكشف خلالها خبث الدور الايراني واتباعه في عملية تدمير العراق وارتهان إرادة شعبه فكانت الانتفاضة الوطنية المباركة انطلاقا من البصرة الفيحاء واستجابت لها محافظات الجنوب الثائر وتداعت لها بغداد وبقية المحافظات بتناغم وترحيب واستعداد للالتحاق بها في أي وقت وخاصة العاصمة الحبيبة بغداد، وستبقى هذه الانتفاضة المستمرة جذوة مشتعلة تقضّ مضاجع المتآمرين على وحدة شعب العراق وحقوقه هاتفة، قبل مطاليبها بتوفير الخبز والماء والدواء والعمل، بحقها الأساسي في التحرر والسلم والتنمية وإقرار المواطنة الحقّة لكل ساكنة العراق، والانتفاضة مصرّة على اسقاط كهنوت المال والاسلام السياسي ومرتزقته من احزاب ارتزقت بالدين والطائفية وقد اسقطت ورقة التوت وانكشفت عوراتها، ولم تعد لها بعد اليوم قائمة تقف عليها طالما انها لجأت الى التزوير والفساد وشراء الذمم الرخيصة.
ان استمرار قوى الخيانة الوطنية في ممارسة لعبتها الخبيثة في التمترس بمظاهر الدين والديمقراطية الزائفتين وبتمترس خلف مؤسسات وهمية من قضاء وحكومة وبرلمان لا يعني مطلقا انها قادرة يوما على إيجاد الحلول التي تسببت هي في تفاقمها وتنكرها لما يعانيه شعب العراق.
قادم الايام سيكشف عن تعفن سريع للوضع والذهاب إلى ما لا يحمد عقباه وبسرعة غير متوقعة إن لم يتدارك الشعب العراقي بنفسه مواجهة هذا الواقع المرير.
وما التهديد بعودة الحرب الأهلية، وحرق ما تبقى من العراق، إن لم يفز فلان، أو يسقط فلتان، إلا آخر الاوراق الخبيثة التي تلعبها ايران واتباعها وهي تمارسها على الارض العراقية بقوة واستفزاز مليشياتها، التي سينتهي الأمر بسقوطها وهروبها لا محالة، وسيتم طرد أدوات الدولة الصفوية الجديدة بقوة وسواعد ابناء العراق.
إن الشروع بمسار وطني وحيد يخطّه احرار العراق ونخبته الوطنية الواعية، هو اختيار طريق التحرير والخلاص الوطني والوحدة الوطنية الذي يتطلب تعبئة واصراراً وارادة وتحالف وطني شامل حتى تحقيق النصر.
وإن غدا لناظره قريب.

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :133,413,094

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"