القرن الـ21 للصين

محمد عارف

لا أنسى قط النقل التلفزيوني المباشر لمشهد دموع «كريس باترن»، آخر حاكم بريطاني لمستعمرة «هونغ كونغ»، وهو يوقع عام 1997 على وثيقة إعادتها إلى الصين، ويحذّرُ من عواقب انفصالها عن اقتصاد بريطانيا، حيث إجمالي الإنتاج يعادل، حسب ادّعائه، ضعفي إجمالي إنتاج الصين. وكلاهما غير صحيح، الادّعاءات والتوقعات. فإجمالي الإنتاج الصيني آنذاك يعادل نحو 7 مرات مثيله في بريطانيا. ويا لسعادة أجيال مُعمَّرة شاهدت انطلاق الصين من نقطة الصفر عام 1949 وأصبحت قوة عظمى تُعمِّر العالم. كتاب «الصين وأزمة التسليف المصرفي» يكشف كيف قلبت الصين النظام العالمي بمجرد انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية، ولم يدرك ذلك حتى زعماء الصين. وغير معروف الآن إلاّ على نطاق أكاديمي، أن «الأزمة المالية» العالمية عام 2008 سببها الصين. ومع أن «الصين لم تسبب الأزمة، إلاّ أنه من دون الصين ما كان للأزمة أن تحدث». 

يذكر ذلك «زهانغ وي ينغ»، أستاذ وعميد «كلية الإدارة» في «جامعة بكين»، في مقدمة كتاب الأكاديمي الأسكوتلندي «جايل جانس»، الذي تابع ظهور نظام عالمي جديد خلال 20 عاماً من عمله في الصين كباحث زائر في «كلية الأعمال» بـ«جامعة بكين».

والقرن الـ21 للصين. وفيما يلي عناوين أحدث تقارير المصادر الغربية عن التعليم العالي والبحث العلمي في الصين: «الصين تنشئ أول جامعة أبحاث ذرية في العالم»، و«في العام الماضي التحق نحو ربع مليون طالب صيني لدراسة الدكتوراه، وما بعد الدكتوراه في الخارج»، و«هدف الصين التحول من الاقتصاد الصناعي إلى الاقتصاد الإبداعي مع حلول العام 2025»، و«عدد الطلبة الأجانب في الصين نصف مليون». و«في العام الماضي منحت الصين 60 ألف زمالة دراسية للطلاب الأجانب، بزيادة 20% عن العام 2016، ومعظم الطلاب من بلدان (طريق الحرير)».

و«انتصار قوة العمل على قوة رأس المال» أهم توقعات الفيلسوف «ماركس»، تحققت في الصين، حيث تُعرضُ صوره في الميادين العامة. فالصين تملك أكبر احتياطيات مالية عالمية أنتجتها قوة عملها، ولم تنهبها، كالدول الاستعمارية من الشعوب المستضعفة. وبهذه الأموال تمدُّ الصينُ حالياً «طريق الحرير» الذي يدخل التعليم العالي والبحث العلمي في تشكيلة مشاريع اسمها «حزام واحد طريق واحد». وينشئ الطريق، عبر آسيا وأوروبا والشرق الأوسط وشرق أفريقيا، هياكل ارتكازية ومشاريع تجارية. ويضاهي المشروع الذي تبلغ الاستثمارات المخصصة له 5 تريليونات دولار «مشروع مارشال» الذي أعاد بناء أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية. و«تقود الصين الآن العالم في بناء الهياكل الارتكازية في التعليم العالي»، حسب «وليام كيربي»، أستاذ الدراسات الصينية في «جامعة هارفارد».

وإدخال البحث والإبداع منذ البداية في بناء «الحزام والطريق» يجعلها منطقة بحث عالمية، تربط الصين و65 بلداً. ويشير «مارجيك وينده»، أستاذ القانون في جامعة «أوتريخت» الهولندية، إلى حجم التعليم العالي الصيني، ومنظومة التطوير والبحث فيه، وسرعة تطويره مقاييس عالمية «تؤثر على شركائه الإقليميين، وعلى منافسيه العالميين في آن واحد».

والصين البلد الوحيد الذي استوعب حضارته القديمة في دولة واحدة جبارة عازمة على قيادة العولمة الاقتصادية، واستعادة موقعها المركزي في العالم. ويتوقع خبراء التعليم العالي أن تملأ الصين الفراغ الذي أحدثه ترمب و«البريكست». فالتعليم العالي هو المكون الرئيسي للعلاقات الجديدة التي تطورها الصين وتنشئ بها فروعاً لجامعاتها الرئيسية، وعلاقات مع جامعات معروفة بينها عشر جامعات عربية عقدت اتفاقات تعاون مع جامعات إقليم «نينخيا» الذي تقطنه أغلبية مسلمة. وهنا، كما في جميع مشاريع «طريق الحرير»، نسمع نبض قلب «فيلسوف الطريق» الصيني «لاو تزو» يقول: «العطف بالكلمات يخلق الثقة، والعطف بالتفكير يخلق الكمال، والعطف في العطاء يخلق الحب».

المصدر

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :133,410,526

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"