إليها..

سعود بن صالح المصيبيح

لا أعلم كم من السنوات مرَّت على فراقنا! ولا أعلم لماذا لا أستطيع الإجابة عن هذا السؤال؟!

ربما لأنني لست من الذين يجيدون التعامل مع الأرقام والحسابات! وربما لأنني لا أريد أن أعدَّ هذه السنوات! وربما لأنني لا أريد أن أعترف بهذه الحقيقة المُرة!

 

ولا أريد أن أصدق أنه حدث.. ولكنه حدث وافترقنا.. لكننا لم نفترق.. أصبحنا جسدين بعيدين عن بعضنا.. ولكننا على بساط الواقع الذي نعيشه كالروح الواحدة من الصعب أن يفترقا.. على الأقل من جهتي.. فقد كنت وفياً لتلك العلاقة الروحية الإنسانية الجميلة التي جمعتنا تحت مظلة الحب الطاهر البريء..

كنت لا أرى فـي الدنيا سواك.. وكنت لا أستطيع أن أبعد محياك عن ناظري ولا أمسح ذكراك عن وجداني.. وكنت أشعر بأنك الهواء الذي أتنفسه وجمال حياتي ورونقها وانطلاقتها.. وما أن حصل الفراق واخترتِ الطريق بنفسك وقررتِ الرحيل.. حدث ذلك البركان العاصف فـي حياتي.. فماذا أستطيع أن أفعل..؟ ستقولين كنت مجبرة ولم يكن لدي خيار..؟ وسأقول إن تبرير أي تصرف يختاره الإنسان أمر ميسر إذا كان يريد أن يُبَرَّر السلوك والقرار الذي اتخذه..!

ولكن أياً كان القرار وأسبابه فإني أقر وأعترف بأنه رغم هذه السنوات التي افترقنا فيها، فإنني لم أشعر لحظة واحده أننا افترقنا.. ولهذا فشلت أن أَعُدَّ هذه السنوات؛ فالأساس هو أننا لم نفترق..!

فلا زالت الأماكن الجميلة التي جمعتنا تهتف بتلك الذكريات الحبيبة..! ولا زالت أفضل اللحظات هي التي أتجول فيها وأسير بين الأطلال.. أتذكر فيها أيامنا الماضية!

وقد مضت علي سنوات كان المرور بتلك الأماكن وزيارتها نوعاً من الواجب حتـى شعـرت بهلوسـة أجبرتني على مراجعة طبيب نفسي لمساعدتي على الخـلاص من ُحّبك وحب تلك الأماكن..!

ولم يتوقف ذلك على الأماكن.. بل كانت هناك رسائلك وضحكاتك وتعليقاتك الماكرة.. ومزاجك اللذيذ.. وحواراتك العميقة.. ونقدك لواقعك.. وحرصك على تطوير مجتمعك، وأهدابك وعيونك وشعرك وخواطرك وروعتك وصوتك الجميل، وبالذات عندما تغنين الأغاني التي نعشقها جميعاً..!!

للأسف.. كانت نصيحة الطبيب النفسي أن أحرق رسائلك وأتلف تذكاراتك (خصلة من شعرك ومرآتك)!

وفعلا ا فعلت ذلك.. لأن الطبيب أكثر من وصف الحبوب لعلاجي وفشل، وكان يريد أن يبرر فشله بهذا الطلب الجميل فـي حبي لك.. لقد فجَّر فـي داخلي بركان التحدي.. وعلّمني أن أكون جديراً بح ِّبك.. وأن أترفع عن الصغائر وعن الغرائز.. وأن أسمو بحبّك إلى طبقات من العاطفة والوجدان.. وأن أصهره فـي داخلي.. وأن أحولـه إلى طاقة من المثابرة والكفاح والجد والصبر والعمل المستمر والارتقاء ومبارزة المنافسين فـي ساحة الشرف والنبل والفروسية..!

كل هذا حتى أكون جديراً بحبك.. بذكائك.. بروعتك.. بثقافتك..! وأن أكون جديراً باختيارك لي..! وألا أخيب ظنك..! وأن أرفع رأسك أمام من يعرف قصة حبنا..! وهو أني جدير بهذا الحب.. وأن قرارك لم يكن خاطئاً.. وأن من سخر من ذلك الاختيار لم يدرك عمق قرارك.. وسعة بُعده!

والأهم من ذلك أنك لا تملكين قرارك.. ومتى كان الحب اختياراً.. وانتقاءا وقراراً.. إنه عاصفة تمتلك الإنسان لا يملك فيها قراراً.. وليس لـه أن يختار..!

فجأة يغمره ذلك الشعور الذي لا يرى إلا رعشة تتغلغل فـي عاطفته ووجدانه وروحه.. وعندها يكون المحبوب هو كل حاله!

هذا ما كنتِ تقولين عن عواطفك تجاهي! ومن ثم لا بد لي أن أكون جديراً بحبك.. وعاطفتك.. وبالذات فـي محيطــك الـمخملي .. ذلك البيت المنيف والعائلة ذات الثراء الفاحش.. وأنا البسيط الذي لست هذا ولا ذاك.. درست وكافحت وصبرت وثابرت من أجلك وتعرضت لمختلف أنواع التحديات والصعوبات.. وكان خيالك وطيفك أمامي يتحداني وأنتِ لا تعلمين!

وكان يعزز فـي داخلي العنفوان للانطلاقة وتكرار المحاولة مع كل كبوة أو لحظة ضعف أو تراجع او انهزام أو فشل..! وكنت أنهض مواصلا ا الركض فـي دروب الحياة من أجل حبك.. ومن أجل العهد الذي قطعته على نفسي فـي أن أكون جديراً بحبك.. وألا أجعل الآخرين يتغامزون حول اختيارك ويسخرون من قرار حبك.. كان هذا هدفـي.. وأرجو أن أكون حقاً -ودائماً وأبداً- جديراً بحبك واختيارك!

أسأل نفسي من أنتِ يا سيدتي؟

أجيب وأقول: أنتِ يا سيدتي ذاك الإحساس الصادق والحلم الجميل وحكاية عمري التي عشت تفاصيلها بكل تهور.. فأدخلتني فـي حالة من النشوة والفرح..

سيدتي.. أشتاق إليكِ.. تمرّين بي فـي كل لحظاتي..! فمن يسعف القلب من سلطة حضورك واجترار أنفاسي؟

عبرت بحبك المسافات.. والآهات والنبرات والعبرات والزفرات!

فما عدت أدري إلى أين يسير بي؟

أحمل هذا الهم الجميل.. وهذا الوجد المسيطر علي أينما ذهبت! أحاول طمس معالمك وأهرب..! ولكني أهرب إليكِ وأعود كما بدأت..

وعندما قرر الطبيب النفسي أن يواصل كتابة أدوية متعددة.. منها الحبوب المغلفة بالإطار الوردي! ومنها شراب للكحة وفـي داخله منوم، ظاناً أن النوم وسيلة للهروب من واقعك المسيطر! ومنها (القراية).. (أوراق تكتب بالزعفران يقال إن الصالحين يكتبون عليها أدعية ومأثورات وتغمس بالماء ثم تشرب..!) وعجبت كيف لطبيب نفسي أن يصدق بهذا وهو الذي درس الطب العصري فـي مدارس وأكاديمية حديثة؟!

أما الحبوب فقد أخذتها فـي مواعيدها وأمامي صورتك.. وأما شراب الكحة فالملعقة التي أتناول بها الشراب هي الملعقة نفسها التي أدخلتها فـي جيبي فـي آخر لقاء بيننا بعد أن ذوبتِ بها السكر فـي فنجان قهوتك.. ثم رشفتِ بقايا القهوة بين شفتيك وبقي النادل يبحث عنها.. ولم يعلم أنها انتهت فـي جيبي؟! وهي التي سأشرب بها الدواء!!

أما (القراية) فأشربها على ترانيم أدعية بأن لا أشفى من حبك مهما عمل الطبيب من عمل ومن وصفات ومن أدوية!! وأن تتعمق جذور حبك في خافقي أكثر وأكثر، وهذا ما حصل!

مرت السنوات والأيام والثواني.. والجذور تضرب في داخلي وتتعمق.. والطبيب يواصل كتابة الوصفات.. وزيارة الأطلال تتوالى.. وتذكاراتك تدخل فـي متحف بين جوانحي مفتوح طوال اليوم.. أقوم فيه بزيارة مستمرة لكل تلك المقتنيات النادرة طوال الأربع وعشرين ساعة فـي اليوم! وهذا ما يحدث الآن!

كيف لي أن أعيش حباً صادقاً عذباً لذيذاً ممتعاً دافئاً نبيلا ا وأن أحرم منه بغير وجه حق؟

كيف لي أن أجد نفسي فـي دائرة من الظلم القاسي المؤلم المحزن فـي ظرف ليس لي فيه ذنب ولم أختره أو أنتقيه؟

هل أُحمّل نفسي الخطأ عندما تجرأت واستجبت لهتاف قلبي المتعب فـي أن يعشقك بكل أنواع الحب والهيام والعشق والغرام؟

وهل أعاتب نفسي وألومها عندما أصبح فؤادي لا يرى من هذه الحياة سواكِ حتى أصبحتِ المحور لكل شيء؟

وهل أحاسب نفسي عندما تسللت عيناي إلى إطلالتك البهية وشهدت حضورك وثقافتك ووعيك وصوتك وحنانك وعنفوانك وهدوئك الذي يسبق عاصفتك حتى وقعت فـي مستنقع غرامك وعذابك وألمك، وأصبحت فـي موقع الخاسر فـي معركة غير متكافئة وغير عادلـة حتى تمنيت- لأكثر من مرة- أن أجد تفسيراً لهذه العواطف المتفاعلة فـي داخلي .. والتي لم يعمل الزمن فيها عمله كما يعمل أعماله مع الجمادات والنباتات وبني الإنسان والحيوان.

هل أتطاول؟ وهل أبالغ فـي طلبي؟ وهل أضخم المشكلة؟ وهل أتجاسر على واقع يفترض أن أستسلم لـه.. وأن أخجل من نفسي عندما قبلت أن أدخل معركة غير عادلـة وغير متكافئة؟!

سيدتي

لا أريد إلا العيش بقربك بأمن وصدق واطمئنان.. وأن أبدأ صباحي الباكر بتقبيل يديك.. وأن أتلمس بأصابعي تطابق شفتيك.. وأن أمعن النظر فـي بريق عينيك حتى يكون يومي مشرقاً كإشراقة وجهك الغض الضحوك المتورد..

وأريد فـي المساء أن أجلس بالقرب منك.. أناجيك.. أسامرك.. وأحيا الحياة التي أحياها الحب لنا باختيار المجهول.. ولكنه معلوم لقلوبنا ومشاعرنا..

فلماذا القسوة علينا؟ وهل ما طلبناه مبالغ فيه؟

أريد الحب وهو ما عجزت عنه كل محاولاتي فـي إزالته من عمق آدميتي..

سامحوني.. فلست أملك القرار.


comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :133,410,834

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"